وائل عبد الفتاح
تسأل.
فتكون الإجابة: خيرت الشاطر.
ومن فرط الغموض تتحول الإجابة إلى أسئلة.. ومتاهات يبدو فى قلبها هذا الرجل الذى يشبه كل ما ابتذلته الدراما عن الرجل الغامض أو الرجل الكبير أو الأب الروحى الذى لا يظهر فى الواجهات، لكنه يحرِّك شخصيات وعصابات ويحكم بإرادته من السر.
تسأل.. والإجابة هذا الكائن الذى لا تعرف مشاعره، هل هو مريض أكله المرض وثبت ملامحه عند هذه النظريات الانتقامية القاسية؟
لماذا ينظر بكل هذا الغل؟
لماذا يبدو فى صورة أشبه بقادة قريش فى الأفلام الهزلية عن ظهور الإسلام؟
.. يبدو خيرت الشاطر خلفية افتراضية لصورة المرسى.. أو لأصابعه التى يهدِّد بها.. أو فى القوة غير الرسمية التى يزدحم بها قصر الرئاسة (ويظهرون على هيئة موظفين أو شخصيات بلا وظيفة يتحكّمون فى القصر ويحتلّون مفاتيحه.. يديرونها بمنطق الجماعة المحتلة لمكان غريب عليها).. القوة تمتد خارج القصر للحماية مرة بالهجوم البربرى الغوغائى.. ومرة بالهبوط من مدرعات الأمن.. أو الوقوف فى صفوف الأمن المركزى كأدلة قتل لنشطاء ومسؤولى الصفحات الثورية.
لم يظهر خيرت الشاطر علنًا إلا فى تهديدات علنية على لسانه أو مبطّنة قالها البعض عن وعده بوجود آلاف المجاهدين فى انتظار إشارة منه للدفاع عن الحكم الإسلامى.
يرتبط الشاطر هنا بما يسميه البعض «ميليشيات» أو «وحدة الرصد والاستطلاع»، كما وصفتها رسالة قيل إنها مهرّبة من أضابير الجماعة..
الشاطر يقيم هنا فى المسافة بين الواقع الذى نراه ولا نعرف وصفه على سبيل الدقة والتحديد.. وبين غموض لا ندرى مدى اتّساعه حيث تنمو الخرافات والأساطير.
كتبت مرة عن السؤال: ما الفرق بين عمر سليمان وخيرت الشاطر؟
ووصلت إلى أن كل منهما لعب دور الرجل الغامض فى نظام يقوم على الغموض.
كل منهما حامل الصندوق الأسود لأنظمة لا تملك شيئًا إلا هذا الصندوق.. وكما كان نظام مبارك يعتقد أنه منقذ مصر.. فإن المرسى والإخوان يتصورون أن حكمهم هو انتقال مصر إلى «عصر النهضة».
كل منهما مفتاح فى أنظمة ترى الخلاص معها.. والحل قادم بمجرد وصول مندوبها إلى السلطة.
أنظمة تمارس السلطوية والوصاية بمنطق أنها تعرف المصلحة العليا للوطن.. ومن أجلها تعذّب المواطن وتزوّر إرادته فى الانتخابات وتدمّر المؤسسات.
ولأن هناك أخلاقًا تلغى الأخلاق، كما أن هناك أفكارًا تمنع التفكير، فإنه عندما مات عمر سليمان رأيت من احمرّت عيناه على موت «البطل» الذى يعجز عن إقناع طفل صغير بعلاماتها، ويكتفى بالإشارة الملغّزة المعجزة «ستعرفون.. بطولته فى ما بعد».
وإذا ضغطت بعض الشىء سيسرب لك صاحب العين الحمراء.. ما يوحى أنه كان يحمينا من الخفافيش التى خرجت من المخابئ بعد الثورة.. وتحكم الآن.
الأخلاق هنا تستخدم لحماية مَن تحمّل مسؤوليته.. أى من حمايته لديكتاتور وعصابته.. ارتكب جريمة تجريف البلد من كوادرها.. وحصار كل خيال خارج التوظيف.. وقتل روح الإبداع لصالح انحطاط «وهو وصف لحالة ثقافية وليس مجرد شتيمة».
الانحطاط هو المناخ الذى يجعل حكم العصابة طبيعيًّا.. وجرائمهم حكمة.. وضيق أفقهم ذكاء.. ومدير مخابراتهم بطلًا.. ومجرد افتتاح سلسة محلات بقالة.. هى بشائر عصر النهضة «الإخوانى».
الانحطاط بمعناه الذى يقطع الصلة بين الواقع وكل من الماضى والمستقبل.. يجعلها لحظة معلّقة تحت ضغط الغرائز والشهوات قوة الأمر الواقع.. تجعل هناك مَن يرى فى مدير مخابرات بطلًا.. وعلى الطرف الآخر من ينتظر الإنقاذ على يد خيرت الشاطر.
ونستكمل غدا
نقلاً عن جريدة "التحرير" .