وائل عبد الفتاح
انتهى يوم الغضب الثانى بالسخرية من حظر المرسى، وإصبعه، وبدأ اليوم التالى بفاصل جديد من السخرية المُرّة عندما أصدر النائب العام قرار ضبط وإحضار إلى تنظيم افتراضى اسمه «بلاك بلوك».. ودعا المواطنين الشرفاء كالعادة إلى القبض على كل من يشكّون فيه.. أى أنه دعا وبكل وقار متوقَّع أن يتحول كل مواطن إلى عسكرى أو حامل ضبطية قضائية يلقى بها القبض على كل من يضع قناعا أسود على وجهه.
لم يفهم النائب العام ولا من ضغط لإصدار القرار، أن «بلاك بلوك» فكرة وليست تنظيمًا.. لأنه يبدو من قطاع تربية الإخوان أو يتربى فى حضانتهم.. يفتقرون إلى حس السخرية والمغامرة الموجود فى تراث طويل من أدب المغامرات بداية من «المغامرون الخمسة» و«الشياطين الـ١٣» حتى «رجل المستحيل»، ولو كان مهتما بالسياسة خارج كتالوج الجماعة لَعرف أن «بلاك بلوك» هى فكرة نشأت ضد العولمة ولحماية المتظاهرين من عنف قوات الأمن.
النائب العام لا يهمّه كل ذلك، كما لا يهمّ الرئيس مرسى إلا أن يرفع إصبعه فى مواجهة الغاضبين ليبدو قويًّا ومسيطرا وهو ما رد عليه الشارع بنفس الطريقة، ورفع أصابع أخرى فى مواجهة هذه التسلطية الجديدة.
استعراض السلطوية الفاشل والمهزوم.. دليل جديد على أن كل محاولات بناء ديكتاتورية جديدة سيتحطم على صخرة روح تحيِّر حتى المؤيدين للثورة.
من أين هذه الروح رغم كل شحنات اليأس والإحباط التى تنشرها الجماعة التى تحكم مصر؟
إلى أين ستذهب هذه الروح بطاقتها التى تحطِّم الحدود وتفاجئ حتى أكثر المؤيدين لها؟
الثورة ما زالت عصيّة على التعليب فى العلب السياسية القديمة، وهذا سر دهشتها والرعب منها.
كل هذا والمرسى يباهى الأمم برفع إصبعه.
بينما الناس فى القنال ورغم آلامهم واجهوا استعراضه بالسخرية والنزول إلى الشوارع.
أىُّ روح التى حوّلت الحظر إلى كرنفال يرقص ويغنّى فيه شعب كان تحت وابل قنابل الغازات والقتل على المشاع؟
أىُّ روح تفضح ركاكة مَن يتولى تنفيذ القانون وتجعله يطارد فكرة؟
أىُّ روح التى كسرت السلطوية بهذه الخفة المدهشة.. باللعب والرقص والغناء؟
هل هناك أمل فى أن يفهم المرسى الأسير فى قصر الرئاسة؟
هل سيفهم الشاطر الذى صدق فعلا أنه زعيم فى حرب العصابات.. ويتصرف على هذا الأساس؟
الجميع مرتبك..
ولا أحد يمكنه أن يتحدث بيقين إلا الأغبياء.
اليقين هو مقبرة الطيبين فعلا.
والروح التى تهبّ كعاصفة غامضة تفضح كل ما اجتهد كل طرف أو فرد فى تغطيته.. إنها روح تنزع الأقنعة.. بكل ما تمتلكه من عنف وخفة.
هكذا يرفع المرسى إصبعه على طريقة فتوة الحارات أيام المماليك، مهدِّدًا بإجبار مدن القنال على النوم من المغرب.. ويدهشك الناس حين يردّون عليه من نفس المنطق.. يتعاملون معه على أنه فتوة لا سبيل لمقاومته إلا كسر حظره وتحدّى قراراته.. فينزل أهالى بورسعيد والسويس والإسماعيلية ويطبقون الحظر على مدرعات الشرطة والجيش.
وبالمثل فإن «بلاك بلوك» هم المقابل لجماعة الإخوان السرية.. وإذا كنت ستحكم بالجماعة التى تعيش تحت الأرض فإن مقاومتك ستكون من نفس النوع وستقلق راحتك فكرة تنتشر فى الهواء وتترك علاماتها المرعبة لكل من يمارس قمعا للثورة.
وكيف ستواجه سلطويةُ الإصبع شعبًا ما زال قادرا على اللعب؟
هل سيشكِّل فريقا ويشترك فى دورى الحظر؟
أم يرتدى الأقنعة ويدخل الميدان فى الحفلة التنكرية؟
نقلاً عن جريدة "التحرير"