وائل عبد الفتاح
تذكروا اسمه جيدا..
كتبت قبل عدة أشهر هذا عن أحمد أبو هشيمة.
كنا فى الأيام الأولى لحكم المرسى.
وكان الشاطر الرجل الخفى فى مرحلة هندسة مواقع رجاله فى شبكة حكم جديدة.
وكان الإخوان يتحسسون الإخوان طريقهم إلى ممرات السلطة ويحاولون ترتيب مواقعهم أو اتفاقاتهم مع من يجدون فى مرونته متسعا لاتفاق أوسع.
ولهذا فهم بعد تأكد فشلهم فى صنع جاذبية وتأثير لما يمتلكونه فعليا من وسائل إعلام (صحيفة - قناة - مواقع إخبارية إلكترونية)، فإنهم يبحثون عن اختراق غير مرئى لوسائل إعلام موجودة بالفعل.
الاختراق يتم بطريقة الأقنعة الإخوانية الشهيرة، كيف تتحرك أموال الإخوان عبر عناصر ليست إخوانية؟ قل إنها عناصر نائمة أو شبكة ترتبط مباشرة بمدير الماكينة المالية خيرت الشاطر.
وهنا تولد الشائعة من دولة الغموض.
كل الشائعات التى ذكر فيها اسم الشاطر كديناصور جديد يبتلع سلاسل البقالة والصحف والقنوات الفضائية، يمكن نفيها بسهولة على صفحته الإلكترونية.. لكنها أيضا وبمتابعة لخطوط شبكة الشاطر يمكن اكتشاف أن الشائعة لم تولد من فراغ، وأن ما يقال عن شراء الشاطر هو اختصار لما يمكن أن تفعله شبكة من رجال أعمال يبدو أنها ستكون «نخبة البزنس» الجديدة أو البديلة عن نخبة جمال مبارك وأحمد عز.
وهى نخبة لم نفهم حتى الآن تفاصيل إدارتها لثروة مصر خلال العشر سنوات الأخيرة من حكم مبارك، لكنها اعتمدت على فكرة وصفتها من قبل بأنها «المحميات السياسية».
إنهم أبناء نظام مبارك، وقصصهم هى الحكاية الحقيقية لما حدث فى الـ٣٠ سنة، هم اللاعبون الأساسيون، يعيشون فى خير النظام وينقذونه من ورطات سياسية، كوَّنوا ثرواتهم بقربهم من المنطقة الدافئة فى قصر الرئاسة وتحولوا إلى ديناصورات مالية ببركة الرضا السامى، ويلعبون أدوارا لا يُعلَن عنها، لكنها تمنحهم المزيد من الثقة وتزيد فرصهم فى حماية أكبر. المثال القوى هنا محمد نصير الذى يقول تقرير من معهد «كارنيجى للسلام الدولى» (صدر قبل عدة أشهر) إنه اشترى شركة «كوكاكولا» 1993 مستفيدا من علاقته الوثيقة بالنظام، ثم باعها بعد ذلك بسنتين بثلاثة أضعاف سعر الشراء. كما استفادت عائلة الزيات من علاقاتها المباشرة مع بعض رموز النظام واحتكرت صناعة المشروبات، وأخيرا نجحت عائلتان فى نهاية التسعينيات فى إقناع الحكومة بأن تحصر مناقصة فى مجال صناعة الأفلام عليهما وعدم السماح لأى منافس آخر بالدخول.
التقرير انتهى ولم يتحدث عن دور نصير فى تلميع صورة نظام مبارك أمام المؤسسات الدولية، فالرجل الذى اشترى «كوكاكولا» أعطى انطباعا بأن مبارك يتنازل عن ملكية القطاع العام لرجال من القطاع الخاص، بينما كانت الحقيقة أن مبارك يبيع القطاع العام لمجموعة من «أهل الثقة» وتحت الحماية، وهذا غالبا ينطبق على عائلة الزيات إحدى المحميات المعلنة أيضا. فالمحميات أنواع ودرجات خفية وعلنية، هم غالبا رجال أعمال يضعهم نظام مبارك فى محميات ممنوع الاقتراب منها، ليس كل رجال الأعمال، لكنهم الشطار القادرون على اختراق الأسوار والوصول إلى كبير فى السلطة يمكنه أن يمنح الحماية.
هذه هى طريقة إدارة الثروة فى عصر مبارك، تمنح الدولة تراخيص بجمع ثروات، فيصبح رجل الأعمال وثروته ملكا للدولة.
والدولة لا تحاسب والمتحكمون فيها يديرون شبكة ثروتها من أسفل كما كان معروفا، وتعتبر شائعة حتى سقط مبارك وأصبح حقيقة.
الشائعة تولد فى دولة الغموض، حيث تختفى الشفافية ويصبح النفوذ أهم من القانون.
هل هذا ما يحدث الآن ويجعل منطقة العلاقة بين المرسى والشاطر مصنع شائعات..
هل شبكة الشاطر حقيقة أم شائعة؟
الأمر هذه المرة مزدوج فهذه ليست فقط دولة غموض، لكن رئيسها قادم من العالم الواسع للغموض والسرية، ولم يتخلص بعد من عقل القبيلة.. فماذا سيحدث للسلطة والثروة؟
وكتبت فى نهاية هذا المقال:
ربما من قبيل الاحتياط أرجو أن تتذكروا هذا الاسم جيدا: أحمد أبو هشيمة سيكون مفتاحا لتفسير شائعات كثيرة رسمت صورة الديناصور الجديد لخيرت الشاطر.
تذكروه جيدا.
والمدهش أن هذا ما قد حدث بالفعل.
يظهر أبو هشيمة كمعجزة تبتلع أسواق الحديد والإعلام... وهذا ما قد يحتاج إلى عودة أخرى.
نقلاً عن جريدة "التحرير"