وائل عبد الفتاح
تخيل لقاءً لتماسيح فى مستشفى المعادى العسكرى.
التمساح القديم.. ينام فى زنزانة طبية متحركة.
والتمساح الجديد.. يهبط بالهليكوبتر بعد أن اختاروا له مصابين من النوع الأنيق أو من توريد مكتب الريجيسيرات العمومية الذى كان يستخدمه مبارك.
المرسى يتصارع كل يوم ليكون مبارك.
المرسى لا يفعل شيئا إلا ليكون مبارك.
وهذا ما يجعل خيال المؤامرات يخرج من السراديب ليصبح خطابا معلنا..
كيف يتخيل أحد عاقل أن حادثة القطار مدبَّرة؟
أى خيال ردىء ملعوب فى أساسه.. يمكن لشخص يحترم مهمة العقل فى جمجمته أن يتصور أن هناك من دبَّر رحلة قطار الجنود إلى الموت؟
هل دبروا هذه الرحلة ودبروا أيضا حفلات الإهانة قبل حشرهم فى علب الموت؟
إنه نفس عقل التماسيح.. الحاكمة.
التى تطلق أجهزة دعايتها هذه القمامة وتستقبلها قطعان على أنها أفكار وقصص يمكن من الأصل مناقشتها.
هكذا.. النظام لم يسقط بعد.
هذا شعار «25 يناير» الثانية التى تصيب جماعة الإخوان برعب يجعلها ترسل خطابات تهدئة عبر أعلى مستوى، كما جاء فى رسالة مرشد الجماعة الأسبوعية وبالنص: «.. إن كنا أخطأنا فى حق أحد فنعتذر له، وإن كان قد أخطأ أحد فى حقنا فنحن قد سامحناه».
لم يلتفت أحد إلى رسالة المرشد، ولا إلى رسائل الذعر عبر أجهزة الجماعة، الشبيهة برسائل مشتركة (بين الجماعة والمجلس العسكرى) فى نفس التوقيت من العام الماضى حين قرر المجلس (الحاكم وقتها) الاحتفال، بينما القطاعات الثورية اعتبرت أن الثورة مستمرة تحت شعار «يسقط حكم العسكر» والرسائل سارت باتجاه أن هناك مخططا لحرق مصر، المخطط مستمر هذا العام أيضا وعبر أجهزة الجماعة (الحاكمة الآن) وحدها.
بين الاحتفال والثورة تبدو المسافة واسعة جدا، خصوصا مع الأزمة التى تزداد حدَّة على مستويات اقتصادية، واجتماعية، ولا حل أمام الرئيس إلا مزيدا من السير باتجاه الحلفاء الإقليميين (قطر وتركيا) وباتجاه التصالح مع رموز نظام مبارك فى القضايا المالية، وهو ما يحدث هذه الأيام علنًا وفى المحاكم، آخرها الموافقة على التصالح مع مبارك نفسه فى قضية «هدايا الأهرام» (بمبلغ ١٨ مليون جنيه).. هذه التصالحات هى رسائل تطمين إلى الشبكة التى ما زالت فعالة فى الجناح المالى للنظام القديم، والتى يجرى معها اتصالات سرية خصوصا مع الوزير السابق ورجل الأعمال رشيد محمد رشيد، المعروف بصلاته القوية مع شبكة خليجية/ أمريكية/ أوروبية، أنقذت مبارك حتى اللحظة الأخيرة، ورغم رفضه أن يكون رئيس حكومة بعد ٢٥ يناير ٢٠١١.. وعاقبه مبارك وقتها بقرار اعتقال وحبس وقضية حُكم عليه فيها بالسجن ٣٠ سنة.
رشيد غادر القاهرة قبل قرار اعتقاله من مبارك، ولم يعد حتى الآن، لكن اتصالات تجرى معه من نظام الجماعة، وتتطلب لاستمرارها تهيئة مناخ سياسى، وإظهار عدم العداء بالتوسع فى التصالحات المالية مع المقيمين فى مزرعة طرة وخارجها.
هل ستظهر الثروات المهرَّبة بهذه التصالحات؟
ومن أين سيدفع مبارك الـ١٨ مليونا إذا كانت أوراق ذمته المالية أنكرت وجود ثروات خارج مرتبه طيلة الـ٣٠ عاما؟
هذه كلها تفاصيل فى ما يمكن أن نراه، وتؤكده إعادة محاكمة مومياء النظام السابق، من حالة التماهى الحادة بين النظامين القديم والحالى.. تماهٍ إلى درجة تجعلهما وجهين لتمساح واحد.
نقلاً عن جريدة "التحرير"