وائل عبد الفتاح
الإعلام المصرى شخصية العام. كان هذا قرار صحيفة «السفير» اللبنانية، ورغم أن الهجوم على الإعلام سهل، خصوصا عندما يكون عموميا ومتفقا مع مزاج سائد، فقد حاولتُ الكتابة فى اتجاه آخر أحاول فيه وصف تفاصيل حرب الإعلام، خصوصا أنه الآن وليس قبل ذلك يمكننا الحديث عن إعلام متعدد أو أكثر من إعلام. لا يمكن وضع الإعلام كله فى سلة شمولية كما لم يعد ممكنا أن تسيطر قبضة واحدة على الإعلام، لم يعد ممكنا أن تصف الإعلام كله بالكذب إلا إذا كان لديك غرض فى السيطرة عليه ليكون مصنع أكاذيبك وحدك، كما لا يمكن تصوير كل الإعلاميين على أنهم ملائكة البحث عن الحقيقة.
اللحظة فعلا مختلفة بالنسبة إلى الإعلام، والوعى يختلف بعدما اختفت القبضة الواحدة، وبعد اكتشاف قوة ما فى مواجهة المعتدى الجديد على الحرية.
وربما لهذا كانت كتابتى تحت عنوان «حرب الإعلام»: «الشيخ» و«المدينة».
1
الإعلام ساحة حرب.
هذا ليس أحد مجازات الدول نصف الديمقراطية ولا أوصاف من رصيد البلاغة المجانية لصاحب سلطة أو مسؤول أصبح متعودا على مشاهدة نقده على الهواء مباشرة.
إنها لحظة التحول المدهشة.. الإعلام خارج سيطرة جهة واحدة.. القبضة ارتخت، والحرب الآن بين من يريد الدفاع عن مهنته، حتى لو شارك فى طبخات المصالح السابقة، وبين من يريد أن يظل «الإعلام» إعلامه بهذا التعميم والسيطرة.
ليست حرية إعلام، بقدر ما هى تفكيك للقبضة الواحدة.
إنها سلطة تريد تمرير نفسها مكان السلطة القديمة وفى هذه الحرب يبدو الإعلام حرًّا أكثر، ومهنيًّا أكثر، ومؤثرا وفى عداء مع السلطة كما لو كان قد فقد كل تقنيات الخطابات الخجولة.
2
الشيخ هدّد المدينة.
هناك إذن من حاصر مدينة الإنتاج الإعلامى فى مقابل حصار القصر الجمهورى: الإعلام مقابل الرئيس، سلطة ضد سلطة.. وهكذا فإن مهاويس الشيخ حازم جسّدوا واقعيا الفكرة الافتراضية عن الإعلام كـ«السلطة الرابعة».
حصار قادم من زمن آخر، كأنه رحلة من رحلات الصحراء، أمام مدينة تقوم على تكنولوجيا التواصل عبر التهديدات غير المرئية، هم يبحثون عن كائنات لامعة فى هذه المدينة، يفتّشون السيارات والحقائب بحثا عن أفراد، فى انتظار تعليمات شيخهم، هم يعترفون ويفخرون بأنهم قطعان فى انتظار إشارة من الشيخ، ويطاردون أفرادا كل منهم لهم سيرة ورواية شخصية.. هى موقعة بدت فيها الحرب بعد تجريدها ودون تفاصيل، حربًا بين أزمان مختلفة (زمن قديم وزمن فى مرحلة التكوّن)، وثقافات متباينة، الطاعة فى مواجهة الخروج عليه والبدائية (فى جوهرها) فى مواجهة التحضر (الذى يتخلص من آثار البدائية الخشنة)، والقطيع (الفخور بتبعيته للشيخ) فى مواجهة الفرد (الذى ما زال يتحسس هذه الفردية ويخلّصها من تعقّد العلاقات فى مجتمع الحداثة العرجاء).
حصار «حازمون» بكامل هستيريته، وضع الإعلام طرفا فى حرب الإسلاميين بقيادة الإخوان ضد الثورة، ووضعوه فى حزمة واحدة كأنهم لا يمتلكون ١٣ قناة من اللسان التليفزيونى للإخوان (قناة مصر ٢٥) إلى طيف القنوات الدينية، وكأن نجوم هذه القنوات بعدما فشل فى مواجهة المنافسة على الشاشات اختاروا منصات الخطابة فى الحصار لنقل المنافسة المهنية إلى مجال التخوين والتكفير والتهديد.
وقف هؤلاء المذيعون/المشايخ وسط تهليلات بتطهير الإعلام الفاسد، لتتبلور دون وعى، وعلى الأرض، مفاهيم كانت مجازية عن الإعلام كسلطة خارج سيطرة السلطة السياسية. المجاز هنا أصبح واقعيا، تفوّق على كل النظريات بواقعية حطّمت الفانتازيا.
الوجود الافتراضى للمذيع/الشيخ تحول هنا إلى وجود واقعى يحارب به زملاء محاصَرين، والقنوات وضعت علامات سوداء تخفى بها أسماءها، ونسيت أن جيرانهم فى قنوات «الرحمة والحافظ والناس» وغيرها من قنوات (دينية) سيتحولون إلى أدلة ومرشدين إذا عبر المهاويس السور ونفّذوا مخطط اجتياح المدينة.
لم ينته الكلام عن حرب الإعلام... إلى الغد.
نقلاً عن جريدة "التحرير "