وائل عبد الفتاح
لم يكن لديهم إلا التهديد.
حتى التهديد تدرج من استخدام العنف مرورا بالمضايقات الإدارية إلى تحطيم واجهة الفندق الزجاجية.
من الذى يهدد؟
تسمع تعبيرات كثيرة لتعرف من «هم» الذين يهددون مؤتمرا لرفض الدستور فى قاعة فندق بنجع حمادى.. «الجماعة الإسلامية» أو «السلفيين» أو «الإخوان».. ورغم اختلافهم وتباين مواقعهم فى المدينة فإنهم الآن يمثلون كيانا واحدا وسلطتهم انتقلت من سلطة «المضطهد المسلح» إلى «السلطة».
«هم» إذن يفقدون تدريجيا سيطرتهم «تحكمهم فى المجال العام» وهيمنتهم «قدرتهم على خطاب مقنع» لصالح تمكنهم من أدوات السلاح والسلطة «ومن خلفهما الثروة».. وهذا تغير وصل متأخرا الصعيد كله بحكم «المسافات الاجتماعية والحضارية» التى كانت تجعل الحزب الوطنى أو رمز السلطة هو القبضة الكبيرة التى يناوشها قبضة أعنف «جماعات الإرهاب» أو تزاحمها قبضة تنهش فى شرعية السلطة بالدين «أمراء ومشايخ الجماعات الإسلامية».
صراع القبضات كان ملعبه الأساسى: الوصول إلى العائلات.
العائلة تتبع القبضة المركزية..
والمتمرد على العائلة يذهب إلى قبضة الأمراء محتميا بما يمثله الدين من محور فى الحياة ليبرر تمرده.
وهذه تقريبا العلاقة التى كانت حاكمة فى الصعيد إلى أن استطاعت الثورة التسرب عبر الجدران الخشنة.
العائلات ترى الشباب المتمرد «عيال تلعب ألعابا خطرة».
لكن «لعب العيال» الذى غير مصر وكسر رقبة الديكتاتور أصبح مسموحا به فى الصعيد، بعد أن تجبر وتسلط أمراء الجماعات «من إخوان إلى سلفيين وجهاد» وجازوا أنفسهم ليكونوا القبضة الكبيرة مكللة هذه المرة بالغطاء الدينى.
الثوار ما زالوا مرتبكين: كيف يتمردون دون صدام مع الكبار؟
سألوا وكلهم حيرة حقيقية.. حيرة مصدرها أن تمردهم لا يستبدل سلطة بسلطة وإنما يريد تغيير البيئة وكسر الجدران.
الشباب فى نجع حمادى يواجه قسوة أكبر من شباب المنيا.. لكنهم جميعا جزء عضوى من الثورة على الشيخوخة.
وما زالت حكايات رحلة الصعيد تثير الأسئلة.
نقلاً عن جريدة "التحرير"