وائل عبد الفتاح
لا يخجل الإخوان من التزوير، ولا من تشبيههم بنظام مبارك... هو بالنسبة إليهم تلميذ فى مدرسة الاستبداد، وهم حافظوا على وديعته من تخلّف اجتماعى وقهر سياسى وحياة خارج الزمن لتكون رأسمالهم فى تأسيس دولتهم المستبدة باسم الدين.
لن تحتاج فى الصعيد إلى مجهود كبير لتكتشف ملامح وديعة مبارك، ولا للتعرف على مهارة الإخوان فى استثمارها دون خجل بل بابتسامة من وجد كنزه الثمين تحت وسادته.
لم يلمس الخجل الإخوان لكن مسهم جنون اللعب بكل ما فى وديعة مبارك للوصول إلى لحظة تأسيس الدولة الدينية بكل موروث هذه الدولة من شراسة وقمع ووحشية صنعت الكوارث فى تاريخ البشر.
الجنون الإخوانى يعيد مصر إلى القرون الوسطى، وعصر ما قبل الدولة، ويدفعها إلى تكرار التجارب المُرّة لدولة الكنيسة فى أوروبا ودولة العصابات الصهيونية فى فلسطين.
إنهم يبيعون بضاعة فاسدة، ولا يهتمون حتى بجودة السوليفان الذى يدارى فسادها.
دستورهم يؤسس دولة دينية بطبعة إخوانية، ويزايد عليهم السلفيون، فالتطرف خلفه تطرف أكثر، والمتطرف اليوم كافر فى نظر متطرف الغد... كلهم يريدون دولة دينية الحكم فيها مستمَدّ من السماء لا من الأرض... والحاكم له شرعية فوق البشر لا يمكن الخلاف معه، فهو ليس شخصا منتخبا، فالانتخاب بدعة يُضطرون إليها اليوم، لكن الحاكم هو خليفة يستمد قداسته من خلافته للنبى المرسل من السماء... ولهذا كان الخليفة مهما فسد لا يغادر موقعه إلا بالقتل.
الخلافة هى أحلام يقظة يحشدون بها جمهورا يشعر بالعجز، ويتخيل أن انتصاره هو إعادة إنتاج هذا النمط القديم من الدولة، وكأن الإسلام لا يمكن أن يدخل الدولة الحديثة، وكأن الدولة الحديثة لم تكن للمسلمين أبدا.
مشكلة الإخوان مثلا أنه ليس لديهم مشروع سياسى أو اقتصادى يتناسب مع اللحظة التى نعيشها وبمفاهيم الحياة الآن وهذا يجعلهم يعوّضون النقص بشعارات من النوع الذى قاله نجمهم البارز سعد الحسينى عندما تولى منصب محافظ كفر الشيخ واعتبر أن مهمته نشر الإسلام ولم يفعل بعدها حين عجز عن حل مشكلة الصيادين إلا إحاطة نفسه بسياج من الجيش والشرطة والكلاب البوليسية التى انطلقت تخيف الشعب وهى واقعة لم تحدث إلا فى سجون الاستبداد وعلى يد جلاديها الكبار.
مرة أخرى، هم لا يريدون سوى الدولة الدينية بالقناع المدنى الذى كان العسكر يضعونه على دولتهم العسكرية. ولهذا فالمعركة ستبدأ الآن بين الإخوان والسلفيين على التوكيل الحصرى للشريعة... أداة السلطة الجديدة، يحملها من يستطيع تحويل أفكاره إلى «الشريعة».. وتكتسب هذه الأفكار سلطة ما تمنع التفكير فيها، لأنها قادمة من غيمة غموض ودولاب سحرى يجعل من حاملها شيخا كان قبل الثورة يكتفى بسلطته هذه، لكنه بعد الثورة أراد أن يقتحم عالم السياسة، وبالطبع لا يملك إلا سلطته هذه التى توظّف الدين والتقاليد (كلما كانت رجعية ومتخلفة كان ذلك أفضل) ليبدو تعبيرا عن تلك القطاعات من الشعب الغارقة فى نسيان أبدى من كل الطغاة، حيث أُبعدوا إلى هامش اجتماعى صالح لزراعة وتربية منتجات التخلف ليصبح كل ما هو شعبى متخلف ويسهل أن يقود المستبد شعبا من العائشين فى مزارع التخلف.
المشايخ بعد الثورة لم تعد تكفيهم سلطة المسجد أو المنطقة الصغيرة، أرادوا احتلال السلطة كلها فهذه فرصة لا تعوّض يستطيعون فيها حشد الشعب البائس ليدخل الجنة إذا حملوه على أكتافهم إلى السلطة.
ورغم أن الأمور لم تسر كم خُطِّط لها بالضبط، ولم تأت خطة الخروج من المسجد لغزو أرض السياسة بنتيجتها كاملة لصالح المشايخ بتنظيماتهم المختلفة، حيث دفع الغزو كل شىء إلى المناقشة والجدل، وأصبح الشيخ وهو سياسى تحت النظر وصدمت الآراء التى كانت تُقال فى الجلسات التى يسيطر عليها الشيخ بكاريزما مغناطيسية، الجمهور الأوسع من رواده الممغنطين، وطرحت كل التابوهات للمناقشة رغم أن الخطة أن يمر الشيخ إلى السياسة عبر التابو أو عبر سلاحه المتين فى تحديد ما هو تابو ومحرّم وممنوع.
هذه هى الفرصة التى يخاف المشايخ ضياعها، وتحولها إلى سراب مع ازدياد الحركة المقاومة لغزواتهم.
وهم هنا يعيدون الديكتاتورية من أكثر أبوابها دموية... رأسمالهم فيها وديعة مبارك، وهذه هى المفارقة التى لن يلتفت إليها الإخوان لكنهم سيدفعون فاتورتها
نقلاً عن جريدة "الأيام"