وائل عبد الفتاح
ما الفرق بين عمر سليمان وخيرت الشاطر؟
كل منهما لعب دور الرجل الغامض فى نظام يقوم على الغموض.
كل منهما هو حامل الصندوق الأسود لأنظمة لا تملك شيئا إلا هذا الصندوق... وكما كل الأنظمة التى تمارس السلطوية والوصاية بمنطق أنها تعرف المصلحة العليا للوطن.. ومن أجلها تعذب المواطن وتزور إرادته فى الانتخابات وتدمر المؤسسات.
ولأن هناك أخلاقا تلغى الأخلاق، كما أن هناك أفكارا تمنع التفكير. فإنه عندما مات عمر سليمان رأيت من احمرت عيناه على موت «البطل» الذى يعجز عن إقناع طفل صغير بعلاماتها ويكتفى بالإشارة الملغزة المعجزة «ستعرفون.. بطولته فى ما بعد».
وإذا ضغطت بعض الشىء سيسرب لك صاحب العين الحمراء ما يوحى أنه كان يحمينا من الخفافيش التى خرجت من المخابئ بعد الثورة.. وتحكم الآن.
الأخلاق هنا تستخدم لحماية من تحمل مسؤوليته... أى من حمايته لديكتاتور وعصابته... ارتكب جريمة تجريف البلد من كوادرها... وحصار كل خيال خارج التوظيف.. وقتل روح الإبداع لصالح انحطاط (وهو وصف لحالة ثقافية وليس مجرد شتيمة).
الانحطاط هو المناخ الذى يجعل حكم العصابة طبيعيا... وجرائمهم حكمة.. وضيق أفقهم ذكاء... ومدير مخابراتهم بطلا.... ومجرد افتتاح سلسة محلات بقالة.... هى بشائر عصر النهضة «الإخوانى».
الانحطاط بمعناه الذى يقطع الصلة بين الواقع وكل من الماضى والمتقبل.. يجعلها لحظة معلقة تحت ضغط الغرائز والشهوات قوة الأمر الواقع... تجعل هناك من يرى فى مدير مخابرات بطلا... وعلى الطرف الآخر... من ينتظر الإنقاذ على يد خيرت الشاطر.
عمر سليمان رحل فى أمريكا بمرض نادر أو «بمؤامرة إقليمية على رجال مخابرات هذه المنطقة من العالم»، بينما كان خيرت الشاطر يتجول متباهيا بافتتاح سلسلة سوبر ماركت جديد.
كلاهما عبوس... متجهم كمن يحمل همًّا تراجيديا أو مهمة كونية... أو تنحشر داخله مشاعر محبوسة تحت ثقل المسؤولية.
عمر سليمان مات بينما ما زال هناك من كان ينتظره، وخيرت الشاطر يتجول فى متاجرة بينما تنتظره جماعة كاملة.
كلاهما أكبر من حجمه وإمكاناته.
عمر سليمان لم يعرف بكل خبراته أن يلعب دور بوتين فى روسيا، المقاتل الماكر الذى حافظ على بناء دولته الأمنية بعد سقوط الشيوعية التى بنتها.
بوتين مدير مخابرات قدم موديلا للانتقال... استوعب وضع روسيا... وهندس إقامته الطويلة بمراعاة طبيعة شعب خارج من قهر أباطرة الشيوعية.
لكن عمر سليمان فاقد لهذه الملكات أو المواهب أو القدرات خارج حدود مهماته.. يشبه رئيسه... وعصره.. خرج بوجه كئيب، بينما كانت الثورة ضاحكة وخفيفة ومبهجة... فخسر صورته التى صنعت سنوات طويلة وبدت محدوديته واضحة بعد خروجه من الغرف المغلقة.
وهذا ما سيحدث مع خيرت الشاطر الذى عاش طويلا فى تقوية تنظيم تحت الأرض بكل حيل التجار الذين يستعيدون ثرواتهم بقوة شخصياتهم، لكن هذا ليس دليلا على عبقريتهم الاقتصادية.
الأخلاق هنا لا يمكن أن تكون ساترا من جديد ليعود عمر سليمان أو جثته إلى الغرف المغلقة تتحدث عن عظمة لم نر منها شيئا.
ولا يمكن للأفكار المتعلقة بمشروع نهضة الإخوان أن تمنعنا من التفكير فى عقل الإخوان الذى يظن كل يوم أن لا شىء لديه أكثر من استبدال رئيس يخطب فى أول رمضان برئيس كان يخطب فى المولد النبوى.. وسوبر ماركت يملكه شطار الجماعة بسوبر ماركت تملكه النخبة المحيطة بمبارك.
عمر سليمان هو أحد أسباب عجز الشعوب ونتاج هذه العقلية العاجزة.
كما أن خيرت الشاطر هو قناص شعوب تستهلك ولا تنتج... وأفكاره لا تتعلق سوى بتغيير وجهة الاستهلاك.
نحن أمام معركة رمزية بين نجم واقعية مبارك فى مواجهة واقعية ما بعد مبارك.. هذه هى القصة، بينما الثورة فى مكان آخر تتجول فى الشوارع وبين قوى جديدة لتبنى شبكتها المعتمدة على خيال جديد وأحلام جديدة.
عمر والشاطر هما تلخيص معركة تتم بقوانين مبارك وعقليته وواقعيته البغيضة، الباردة، المملة.
الثورة هى خيال خارج واقعية المتاجر الكبرى للسياسة: النظام والإخوان. فهما متنافسان قديمان، كما كان «التوحيد والنور» هو منافس «سيتى ستار»... وزاد الآن بديل «مترو».
نقلاً عن جريدة "التحرير"