وائل عبد الفتاح
ما يحدث فى مصر ليس استقطابا.
الاستقطاب بين فكرتين أو تيارين، لكن المجتمع الآن فى حالة «صد العدوان» الذى قامت به جماعة الإخوان المسلمين ومن حالفها لوضع حجر الأساس لدولة المشايخ والفقهاء.. وفرض دستورها بكل ما لدى الجماعة من مهارات اللف والدوران وما أُوتى المرسى من صلاحيات.
المعركة الآن ليست بين جماعة الإخوان وجبهة الإنقاذ، لكنها بين جماعة اعتدت على المجتمع بابتسامة خادعة، باردة، وعنف مكتوم وكراهية مكشوفة لكل الخارجين عن طاعتهم ومن دونها.
تحاول الجماعة وقادتها ومتحدثوها الإيحاء بأن ما يحدث هو صراع على السلطة.
لا تخفى الجماعة فى عدوانها خطاب الكراهية، فهى الأصل والخارجون عنها «أغيار» أو «غرباء».. يوصفون بـ«هم»، ويضم كل من يقف ضد مشروع تأسيس دولة القبيلة الإخوانية.. وفى واحد من التعبيرات التاريخية عن خطاب الكراهية قال المرسى «وهم قالوا إن لديهم مصابين». إنه وعى يضع الإخوان فى مواجهة المجتمع كله.. لا مجرد تيارات سياسية تجمعت تحت راية جبهة الإنقاذ.
وفى الليلة السابقة على الاستفتاء ظهرت فرقة تبرير الدستور تحت لافتة الجمعية التأسيسية التى من المفروض أنها فى وضع «المحلولة».. الفرقة كلها كانت إخوانا وحلفها (معظمهم إخوان سابقون) استخدموا مقر مجلس الشورى، بينما جبهة الإنقاذ الوطنى منصة سريعة للرد على فرقة التبرير التى اعتمدت الهجوم والتشكيك، وبدت الفرقة كلها منفعلة من كلمة البرادعى الذى اعتبر الدستور باطلا ولو تم الاستفتاء عليه.. هكذا بدت حرب المنصات واضحة: جماعة وحلفها الصغير فى مواجهة الجميع.. هل تحدث المفاجأة وتدوى «لا.. كبيرة» لتستمر ثورة مصر فى تقديم موديل ثورات خارج التوقعات؟!
النتيجة على استفتاء اليوم ليست هى الحاسمة ولا المهمة.. إنها حرب لن تنتهى بالضربة القاضية وإنما بالنقاط. حرب بين سلطة تبنى ديكتاتوريتها ولا يهمها أن البطلان سيكون عنوان كل خطوة ومجتمع تسرى روح الثورة فيه بعد مرور عامين لاستكمال الطريق إلى دولة حرية وكرامة وعدالة اجتماعية.. والرحلة وإن كانت صعبة فإنها توقظ كل يوم قطاعات كانت نائمة.. الرحلة تسير خلف خريطة يرسمها أدلة كرماء دفعوا حياتهم ثمنا واكتفوا بصورة فى القلوب وعلى الحوائط تذكر ابتساماتها بالطريق.. هؤلاء سيحمون الثورة من لعنة الاستفتاء.. الذى تصور المصريون أنه سيكون احتفالا بالديمقراطية الوليدة، لكنه فى ما يبدو سيكون شرارة ثورة ثانية ضد الطبعة الدينية من الاستبداد.
الثورة الثانية مثل الأولى يقودها الشارع الذى لا توقفه حسابات السياسيين أو مصطلح على تسميته «النخبة».. وميزة الثورة الثانية أن حساباتها أقل وفرزها أكبر.. وهو ما جعل النخبة تزداد التصاقا بجماهير الثورة.. تسير خلفها ولا توقف مساراتها المتعددة بين العنف والضغط والحشد فى معركة الصناديق.
نقلاً عن جريدة "التحرير"