وائل عبد الفتاح
هذا المقال أغضب من ينتمون إلى جماعات تتصور أنها الإسلام.. وكنا فى فترة ما بين الانتخابات وقد لاحت فى الأفق مؤشرات «المشروع الإسلامى»، كما يسمونه وهو ليس سوى «مشروع سلطوى» باسم الإسلام.
قالوا وقتها إنه افتراء.. وتجنٍّ عليهم.
وتثبت التجربة أن ما قلته كله ليس إلا قشورا من واقع يفوق العبث.
والمشكلة ليست فى وجود رئيس ينتمى إلى التيار الإسلامى.. المشكلة فى تحوله إلى فرعون أو فى استمرار العقل الذى بدلا من أن يرى الديمقراطية فضاء مفتوحا تتنافس فيه التيارات والأفكار والأحزاب.. يتعامل معها كسلم يصعد به ويسحبه ليعلن أننا جميعا أسرى عالمه الافتراضى.
المتابعة لرحلة التيارات الإسلامية تقول إنه إذا كنت اليوم متشددا فى التيار الإسلامى ستذهب إلى الاعتدال لكن ستترك بضاعتك القديمة يتغذى عليها جيل جديد لتبدأ الدورة من جديد.. المتشدد اليوم معتدل أمس.. ومتهم فى المستقبل بأنه خارج الإسلام.
التيارات الإسلامية هى نظرة إلى العالم من خلال أفكار صنعها البشر ليسوا مبشرين ولا مبعوثى العناية ولا وكلاء الوصاية الإلهية على بشر يعتبرونهم فى مرحلة الجاهلية أو كفار أو عصاة أو غير ذلك.. من أوصاف تقسم الدنيا إلى معسكرين.. وتعتبرها حربا أو غزوة.
ليس المخيف أن تكون مؤمنا أو تصدق فكرتك إلى آخر حد.. المخيف أن تقتلنا وتفسد حياتنا، لأنك تتصور أننا أسراك.. أو أنك جندى فى غزوة الديمقراطية.
الفرق بين الفضاء والسُّلم هو ما يجعلنى اليوم أعيد الكتابة حول نفس العنوان.
الرئيس أيا ما كان هو ليس إلا مجرد جملة اعتراضية.. عابرة.. وهو المختار من نسبة أيا ما كانت، بينما رفضته نسبة لم تكن ضعيفة.
وهنا تبدو عبثية محاولة تثبيت الوضع بألعاب تغلق المجال السياسى من جديد باسم الدين بعدما أغلق طويلا تحت قوة العسكر.
العبث هنا مدمر، لأنه يضع مصر كلها على وضع صراع الاحتقان فترات طويلة.
والعبث هنا يمنح للمتشدد مبررا لتشدده أكثر، وهذا ما بدت بوادره من فتاوى إهدار دم المرسى بسبب أحداث سيناء.
كتبت تحت عنوان «فرعون إسلامى» من قبل.. واعتبرت أننا فى لحظة بناء جمهورية بلا فراعنة.
لسنا فى غزوة وتوزيع غنائم حسب القوة العضلية.
ولا معركة هى من يصعد السلم.
إننا فى معركة توسيع الفضاء الذى أغلقه مبارك.. وهذا يعنى ببساطة وبمعايير ثورة شعبية.. وليست صراعا مسلحا انتهى بفوز الإسلاميين.. أن تبنى جمهورية ديمقراطية بلا وصاية ولا مؤسسات تنشأ لتصبح فوق الدولة.
الفرعون لا يولد فرعونا.
الفرعون يولد حين يكون العقد بين الحاكم والشعب مبنيا على تفويض أكبر من الوظيفة التى يقوم بها.
وهذا هو المرعب.
هم يريدون إحياء علاقة بين الحاكم والشعب تقوم على البيعة، أى التفويض الدائم، يحكم فيه الحاكم باسم «إرادة أعلى» من كل شىء.
ماذا يحدث عندما يختلف الشعب مع الحاكم؟
أو تختلف معارضة مع برنامج سياسى؟
هل نختلف مع الله؟
أم نختلف مع الإسلام؟
هكذا بدت صيحة دولة الخلافة قادمة من زمن منقرض.. وما تبعها من اتهامات للمختلفين مع الفكرة بأنهم كفرة، وعلمانيون إلى آخر هذه الاتهامات التى تحاول اللعب على المشاعر الدينية لشعب عاطفى، وتمنعه من التفكير فى ما يقال له.
نفس منهج دولة الاستبداد.
الجنرالات وآخرهم مبارك كانوا يصفون الخارجين عن طاعتهم بأنهم قلة مندسة، مشاغبة.. باعت بلادها.. تكفير وطنى لا يقل عنه استبدادا تكفير من لا يؤمن بدولة الخلافة.
هذه صيحات تثير الذعر فى قطاع مدنى تصور أن «ثورة الميدان» ستبنى مصر حديثة.
القطاع المدنى هم طبقة وسطى جديدة، حالمة بدولة على الموديل الغربى، لا ترفض الدين، لكنها لا تريد حكم الفقهاء، أو من يعتبرون الخلاف معهم خلافا مع الله أو مع الإسلام.
هناك فرق بين رفض الدين ورفض حكم المشايخ.
الدولة ورثت تراثا من محاولة البحث عن شرعية دينية لجنرال يسيطر ويغلب خصومه. الشرعيتان متلازمتان فى الدولة التى ورثت إمبراطورية الرجل العثمانى المريض.
دولة، لا يمكن أن يقام أسوار حديدية حولها لتكون «مزرعة تجارب لإعادة تربية البشر» كما تفكر تنظيمات الأصولية الإسلامية، ولا دولة تقهر فيها الأغلبية الدينية أقلياتها وتتعامل معهم على أنهم ضيوف.
الدولة فى مصر لأنها لم تحسم تكوينها ولم تشكل مؤسساتها، لكنها أرادت فقط ترويض شعبها، فإنها لعبت كل الألعاب لتضمن السيطرة.
نقلاً عن جريدة "التحرير"