وائل عبد الفتاح
كل هذه الصور، ويتعامل الإخوان مع شعب مصر على أنه لا يرى ويمكن إقناعه برواية الاستضعاف!
كل هذه الصورة ولا يرى المرشد وقبيلته ومندوبهم فى الرئاسة أنهم يقودون بشهوتهم وذعرهم البلاد إلى كارثة!
إنهم عميان يتصورون أن المجتمع ما زال أعمى ويسير وراء روايات ساكن قصر الرئاسة وحاشيته وجمهوره.
إنها نظرة قديمة فى الاستبداد أن تكون أعمى لا ترى سوى السلطة، وتتصور أن الناس عميان لن يروا ما تفعله وسيصدقوا عكس ما تراه أعينهم.
هكذا تفعل القبيلة كلها، من المرشد الذى ظهر لأول مرة علنا، دون صفة أو موقع سياسى، متحدثا عن جراح جماعة ما زالت فى التوصيفات الرسمية غير شرعية ولا يحق لها العمل السياسى.
الأستاذ بديع ظهر وخلفه صور شهداء، متخيلا أنه يمتلك من اللغة سحرها الذى لن يجعل أحدا يدقق فى التفاصيل، ليكتشف أن إحدى هذه الصور لشاب من الثوار خرج ضد المرشد الذى يتباهى بصورته، وأنه لم يستشهد بعد، وما زال فى غرفة العناية المركزة، وصفحته على الفيسبوك كلها ضد الجماعة ومندوبها فى قصر الرئاسة.
ألم يقل أحد ممن أعدوا المسرح للأستاذ بديع شيئا من هذه التفاصيل؟ أم أن مسرح اللطميات الإخوانية ومحاولة صنع أسطورة الضحية الموجودة فى السلطة لا تعترف بالحقيقة وترى أن الكذب ذكاء سياسى؟
إنهم عُمىٌ لأنهم لا يرون إلا أنفسهم، كأنهم وهم معا أمام مرآة لا يرون فيها سوى سلطة يطمعون فيها ويعتبرونها غنيمة لا تأتى إلا فرصة عابرة، عليهم اقتناصها مرة واحدة وللأبد.
والأعمى الذى فى السلطة يرى الناس عميانا سيصدقون روايته ويكذِّبون أعينهم كم كانوا يفعلون مع كل ديكتاتور يسحب من الشعب كله نعمة الرؤية لكى يكون أسلس فى القيادة.
لم تفهم الجماعة ومرشدها ومندوبها أن المجتمع تغير وأنه فتح عينيه وأنه أصبح شاهدا ومشاركا لا متفرجا أو منتظرا لروايات السلطة، كى يهدأ وينام فى سرير العبودية براحة البال.
كان الشعب يصدق روايات المؤامرة على الديكتاتور، لأنه يسعى إلى طريقه للتكيف مع العبودية.. لكن الآن وبعد ثورة سقط فيها ديكتاتور هل يمكن أن يغلق المجتمع عينيه لكى تكتمل ديكتاتورية مندوب الجماعة؟
لا ترى الجماعة الآن سوى هزيمتها وذعرها من تضييع فرصة اقتناص السلطة مرة واحدة وللأبد.. وهذا ما يعميها عن وضعها الآن، لدرجة أن عمى الجماعة قادها إلى كشف كل ما كانت تخفيه من عدوانية وقبح وشراسة تحت قناع الضحية، وكذلك كشف أيضا عن ركاكة وعدم كفاءة الكوادر، والأهم أنها اضطرت إلى الكشف عن سرها الأكبر: الميليشيات.
الجماعة ظلت تنكر حكاية الميليشيات إلى أن رآها الجميع بعينه وسمع زوماتها ورأى مارشاتها احتفالا بالنصر على الثوار، هذه الميليشيات لا تشبه البلطجية كما عرفناهم قبل وبعد مبارك، لكنها تشبه «الشبيحة» كما قرأنا عنهم فى سوريا، وهم تنظيم شبه عسكرى يدرب سرا ويشحن بخطاب سياسى وعقيدة ترتبط بالتنظيم والجماعة، ذلك الشحن الذى يجعلك تقتل فى سبيل أمر صاحب الأمر والنهى والمطلوب له السمع والطاعة.
يتصور المرشد ومندوبه أننا سنعمى عن حقيقة رأيناها وسجلتها الكاميرات، ويتصور أنه عندما أوصل مندوبه إلى القصر ستتحول مصر إلى «إمارة إخوانية» يمكنه فيها أن يطلب إعادة القبض على من أخلت النيابة سبيلهم، وهم أسرى ميليشياته وضحاياهم، الأستاذ بديع تصرف كما لو كان فوق الدولة أو أن الدولة أصبحت إدارة من إدارة مكتب الإرشاد.
ومندوب الأستاذ بديع فى القصر أيضا لم يتصرف كرئيس ولكن كمؤسس لخطاب الاستضعاف الإخوانى أساس صورة الضحية التى تريد أن تؤكد أنها لم تفقد سحر الاضطهاد حتى وهى فى السلطة.. ومن هذا الموقع وجه المندوب -رغم أنه رئيس الجمهورية!- اتهامات لأبرياء، بل ومعتدَى عليهم دون دليل ولا تحقيق، وكأنها فعلا دولة من دول إفريقيا حيث القوة هى القانون ولا قوة للقانون.
هذه دولتهم التى لا يرون فيها غير أنفسهم وجماعتهم.. ومن أجل وحدة الصف الداخلى فى الإخوان يحاول الأستاذ بديع وفرقته شراء شهداء (كما حدث مع شهيد السويس)، ويحاول أيضا نسب كل الشهداء له حتى المسيحيين، كل هذا من أجل توحيد الصف فى الجماعة، بعدما حدث خلل من قطاعات ليست قليلة من العضويات، مما جعل قيادة الجماعة مرتبكة لا تقدر على إعلان الانتصار ولا الهزيمة فى موقعة الشبيحة بالاتحادية.
من يقود العميان الذين يسيرون بالجماعة وبالبلد إلى الكارثة؟ هل هو الأستاذ البديع أم المهندس خيرت الشاطر الأب الروحى؟
ومن أقنع رجال المرشد أو الأب الروحى أن القاعدة المثالية للخطابات السياسية هى: تكلم حتى لا أراك؟
نقلاً عن جريدة "التحرير"