مصر اليوم
قندهار الثالثة لم تكن الأخطر.. ولا مشهد التنظيمات القندهارية بأعلام السعودية و«القاعدة» معا.. ليست جديدة.
بعد أيام من وصول المرسى إلى الحكم ظهر الإسلاميون فى الشوارع كأنهم فى انتظار ساعة الصفر.
ويومها سألت: لماذا يتصرف الإسلاميون كأنهم غُزاة احتلوا مدينة؟
وحاولت الإجابة:
هم ليسوا غزاة ونحن لسنا أسرى بعد غزوتهم لمدينتنا.. لكنهم يتصرفون بهذا الإحساس.. أتحدث عن القطاع الذى يفور على السطح.. وقطاعات أخرى مصابة بهستيريا المنتصر.
لم يستبدل التيار الإسلامى بنفسية الضحية نفسية أخرى بعدُ، وهذا ما يجعلهم يتصرفون بهذه النفسية التى أفزعت قطاعات فى المجتمع أو قُصد بها إحداث فزع لم يواجهّ عقلاء التيار بما يرسى دعائم دولة حديثة تقوم على سيادة القانون وتبنى جمهوريتها الجديدة على المواطنة لا أكثر.
الجمهورية القادمة جمهورية السكان أو المواطنين أو المجتمع لا جمهورية أبطال ولا مبعوثى العناية الإلهية.. هذه حقيقة إذا فهمها التيار الإسلامى بمتشدديه وعقلائه سريعا فسيوفرون على مصر جولة عنيفة ومؤلمة هذه المرة ولن يستفيد منها سوى العسكر.هكذا فإن فورة المتطرفين التى أعقبت فوز المرسى باعتبارها بشارة اكتمال الغزوة لم تكن صدفة ولكنها كانت حيلة نفسية وسياسية تعوّض وصول الإسلاميين إلى الحكم بغير أدواتهم ولا قوتهم وحدهم.
الثورة حركها أو فجرها شباب خارج التصنيفات السياسية، هم وقودها وقوتها ووعيها الخارج عن التدجين، وهذا ما يريد الإخوان تعويضه، وما تكشفه تصريحات مهدى عاكف المشهور عنه عدم القدرة على إخفاء ما يدور فى داخله، عندما هاجم فكرة «شباب الثورة».
هذه الفكرة محورية فى أداء الإخوان الذين اضطُرّوا فى جولة الإعادة وحرب إسقاط الشفيق إلى فتح قنوات الاتصال من جديد مع الثورة وشعاراتها.القنوات أغلقت من قبل حين اعتبر الإخوان أن وصولهم إلى البرلمان انتصار لقبيلتهم.. ونهاية سعيدة للثورة.الصدام وقتها لم يكن شرخا فى الوعى أو شعورا بالخيبة من الإخوان، لكنه كان خبرة فاصلة تشير إلى الوعى المغلق للإخوان وتصرفهم بشكل غريزى على أنهم «قبيلة» مغلقة على أهلها، لا حزب كبير يمكنه أن يتولى قيادة البلاد فى مرحلة ما بعد إزاحة الديكتاتور.
«قبيلة» الإخوان مرتبكة الآن، بين وعودها بأن لا تحكم وحدها بعد وصول المرسى بدعم الثورة وشعارات «قوتنا فى وحدتنا»... ورغبتها فى الحفاظ على التنظيم ووحدته بمنح جمهوره مشاعر أنهم يحكمون وحدهم.
جمهور الإخوان أغلبه سلفى، والجماعات السلفية فراملها لا تقف عند حدود ما تعلمه الإخوان وتعرفه جيدا من أن ما يسمى بـ«إعادة دولة الخلافة» مجرد شاحن معنوى للحشد.السلفيون ما زالوا يتعاملون بقوة الشاحن لأن وجودهم السياسى لم يُختبر قبل الثورة، وليس لهم خبرة فى مجال السياسة، وقادتهم أو مشايخهم عاشوا فترات فى توافق مع جهاز أمن الدولة وخصام مع الإخوان... لأنهم كانوا يرون الدولة «كافرة» أو «عاصية»، بينما الإخوان «مبتدعون»، ويمكنهم التعامل مع الأولى، لكن الثانية خطر على الإيمان.وإلى وقت قريب لم يكن السلفى يصلى فى مسجد الإخوانى، والعكس بالعكس... إلى أن اقترب «النصر الانتخابى» الذى لم يكن التيار كله (إخوانا وسلفيين) جاهزا له... واعتبره أمراء السلف «غزوة صناديق»، بينما انكشف خواء هذه التنظيمات وعلى رأسها الإخوان من كوادر سياسية.
المشايخ أو الدعاة ليسوا سياسيين... وهذا ما تم اكتشافه عبر كوارث سياسية وشخصية فى البرلمان... لكن هذه التنظيمات لم تعترف به بعد، وما زلوا يعيشون فى عالم افتراضى من صنعهم وحدهم يتخيلون فيه مجتمعا آخر.. ودولة أخرى.
هذا هو تفسير الشعور بأنهم غزاة.
نقلاً عن جريدة " التحرير"