وائل عبد الفتاح
لا أعرف كيف يسعد الإخوان بالحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا..
ولا كيف يتحملون ما جاء فيه من كشف ألاعيب أدخلوا فيها مصر فى متاهة ونفق طويل من أجل خطف السلطة والدولة..
كل هذا من أجل أن يكتبوا دستورًا مستوحى من القرون الوسطى الغبية وليأكدوا تحالفهم مع السلفيين القادمين من حياة افتراضية فى الكهوف، وجنرالات يريدون التمييز الأبدى.. تحالف تحميه ألاعيب تستخدم السلطة لحماية مكسب صغير، حتى لو كان هذا المكسب سيجعل وثيقة مهمة مثل الدستور لا تساوى شيئًا إذا استمر تحكم أسلوب الإخوان الذى يتفوق على ملاعيب شيحة.
وبالطبع لا يرقى الإخوان إلى خفة ظل وذكاء ملاعيب جمال الدين شيحة أحد الأصدقاء المتخيَّلين فى سيرة الظاهر بيبرس الشهيرة.. لكنهم يستخدمون التنكر والأقنعة ليصلوا إلى هدف أصبح خطيرًا الآن… ولم يشبهوا السيرة ولا ملاعيبها إلا فى أنهم يريدون أن يرثوا موقع «المماليك الذين حكموا مصر فى عهد مبارك».
ليست المشكلة أن يحكم الإخوان.. المشكلة أن الإخوان يبنون الدولة لكى لا يحكم غيرهم، أو يفصّلون الدولة على مقاس مشروعهم السياسى المغلق.
مرة أخرى، المشكلة ليست أن يحكم الإخوان، لكنهم ليسوا وحدهم، ليضعوا أو يتحايلوا، ليضعوا وحدهم قواعد الحكم فى بلد قامت فيه ثورة من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
ملاعيب شيحة هنا خطر، وخرجت حتى عن حدود المعقول والمقبول فى عالم السياسة إلى تفجير الدولة من أجل استغلال فرصة وصلت إليهم بالملاعيب مع العسكر.
فى حيثيات حكم المحكمة الإدارية إشارة مهمة لا يقرؤها الإخوان ومن يسير على درب الغنائم، إشارة تُخجِل أى تيار سياسى من ملاعيبه.
تقول الحيثية المهمة: «… إن تاريخ الدساتير فى مصر ارتبط بكفاح شعبها من أجل الحرية والكرامة، وقد تطلع الشعب المصرى بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير إلى دستور جديد يجمع الأمة ولا يفرّقها بصون الحقوق والحريات، فلا يشعر مواطن أنه لا مكان له فيه أو أنه لا يرعى حقوقه أو لا يصون حرياته أو مسلوب الكرامة فى وطنه، دستور يكون للشعب لا عليه، يرسى الحكم الرشيد، ويمنع الاستبداد والطغيان، يضبط السلطة لمصلحة الحرية، يمنع استئثار فرد أو أسرة أو جماعة بالحكم، ويحقق حكم الشعب وسيادته، دستور يليق بمصر وبالدماء الزكية التى سالت من أجلها، يكتبه الشعب بعيدًا عن سلطة حكامه، دستور للمصريين فى أى مكان كانوا وفى أى زمان عاشوا…».
هل ترسمون ملاعيبكم المملوكية لكى تكتبوا دستورًا لن يساوى الورق الذى كُتب عليه إذا صدر… وكم من دساتير طغاة لم تفعل سوى تعذيب شعوبها، وكان إسقاطها هدفا من أهداف الثورة، فالدستور الذى كُتب فى عصر استبداد السادات يعتبر اليوم، ومقارنة بالدستور المخطوف من الثورة، وثيقة تحرُّر وعتق من عبودية تيار يريد ركوب السلطة بتجميع كل «نفايات» العالم القديم والحديث.. فى دستور واحد.
عندما يصبح دستور الديكتاتور أملا بعد ثورة، فهذه ليست إلا ملاعيب شيحة الإخوانية التى تقود اليوم إلى كارثة حقيقية.
لماذا يشترك الرئيس المنتخب فى هذه الملاعيب التى كشفتها أو فضحتها حيثيات المحكمة الإدارية التى ذهبت إلى أن «القانون رقم 79 لسنة 2012 والمسمَّى قانون معايير انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية صدر بعد انتخاب الجمعية التأسيسية بالفعل، وبعد أن باشرت عملها مدة شهر تقريبًا، ولم يتضمن القانون أى ضوابط للاختيار.
وصدر قانون المعايير خاليًا من المعايير، الأمر الذى يشير إلى أن وضع المادة المشار إليها كان بهدف منع محكمة القضاء الإدارى من نظر الطعون التى أقيمت لوقف تنفيذ وإلغاء القرار الجديد الصادر بتشكيل الجمعية التأسيسية، بعد أن حكمت المحكمة بوقف تنفيذ القرار الصادر بتشكيل الجمعية التأسيسية الأولى على الوجه المشار إليه فى ما تقدم، وبعد أن تصاعدت الاحتجاجات الشعبية ضد القرار الجديد الصادر بتشكيل الجمعية، وأُقيمت طعون عديدة ضده أمام المحكمة، فقُصد من المادة الأولى المشار إليها تحصين القرارات الصادرة بتشكيل الجمعية التأسيسية من رقابة المشروعية التى تختص بها دستوريًا محاكم مجلس الدولة، تفلتا من تلك الرقابة على وجه ينطوى على شبهة إساءة استعمال سلطة التشريع والانحراف فى استعمالها، وقد لجأ المشرع فى سبيل ذلك إلى إطلاق أوصاف على القرارات المشار إليها تخالف نوعها وكُنهها وجوهرها، غافلا عن أن طبيعة الأعمال القانونية تظل مرتبطة بحقيقتها فى ذاتها وليس بما يضفيه المشرع عليها من أوصاف غير صحيحة، تتنافى مع أبسط قواعد الفهم القانونى، ويعد استعمالها فى غير ما وضعت لها جرحا للحقيقة القانونية…»؟
هل يدرك الرئيس أنه شريك فى الملاعيب أم أنها تعليمات الجماعة وشهوتها لالتهام الغنيمة…؟ هل قرأ الرئيس حيثيات الحكم وشعر براحة الضمير…؟
نقلاً عن جريدة " التحرير ".