وائل عبد الفتاح
ما مشكلة المرسى؟
يقول الإخوانى: لم تمنحوه فرصة.
ويقول النصف إخوانى: ليس لديه خبرة.
ويقول المواطن العادى: ماذا فعلوا.
ويقول الكاره للإخوان: خربوا البلد.
ويصمت الحكيم والمعتدل احتجاجا على هذه الآراء الحادة.. متصورا أن هناك مساحة بين الرفض الكامل للمرسى والهستيريا المصاحبة التى تراه مسكينا.. مضطهدا.. رغم أنه فى السلطة.
والواقع يشير إلى أن هذه المساحة تتقلص إلى درجة مريعة.. وأن من كان يرى فى المرسى «أفضل الوحشين» أو تيار عصر الليمون لكى «لا يصل الفلول» للرئاسة.. المقيمون فى هذه المساحة لا يجدون شيئا يقولونه الآن سوى الصمت أو الندم أو الاستسلام للحيرة، وأخطرهم من قرر الاندماج مع الهستيريا الإخوانية أو حجز لنفسه موقعا خاصا فيها لا يرى فيه إلا أن الدفاع عن المرسى هو الحصن الأخير للثورة.. وفى سبيل هذا يدلس البعض ويقول إن التيارات المدنية التقت مع الفلول.. أو أنها أيدت النائب العام فى الغزوة الخائبة التى دبرت فى قصر الرئاسة أو مكتب الإرشاد.
هذه المعركة نموذج على ما تفعله غزوات المرسى من تغيير المواقع، فكيف تدافع عن رئيس يريد احتلال النظام القديم بعد ترميمه..؟
الرئيس متسلط جديد يصارع المتسلط القديم.. وكل منهما يحمل سلاحه تحت «تيشيرتات» مكتوب عليها الثورة.. وهدفهما الكبير: إغلاق المجال السياسى من جديد.
الغزوات الخائبة تمنح قبلة حياة للمتسلط القديم وأتباعه، فمبارك لم يكن سوى رأس النظام، أما بقية الجسد فموجود ومختفٍ تحت السطح الفوضوى الساخن.
الصراع تغير الآن.. وتغيرت معه التركيبات السياسية.. على إيقاع غزوات الإخوان للدخول فى هيكل الدولة المريضة.
وكما قلت من قبل فإن «أخونة الدولة» خرافة.. لأن السعى عكسى هو كيف تصبح الجماعة فى الدولة.. أو كيف يدخل الجسم الكبير المعتاد على الإقامة بجوار الدولة وفى نعيم اضطهادها.. كيف يدخل إلى القصر.
مهمة المرسى ليست إعادة تفكيك الدولة، ولكن إعادة تركيبها ليحمل هو مفاتيح القصر وأجهزة التحكم فى مؤسساتها.
هذه هى المعركة التى يعرف الجميع، بمن فيهم قادة الإخوان الذين أغرقوا الفضائيات الأيام الأخيرة، أن المعركة ليست ثورة ونظام مبارك.. أو ثوارا وفلولا.. ولكنها مباراة تخص فوز المرسى بالسيطرة.
وهذا يربك قوى متباينة.
يربك قوى سياسية تشعر بالخطر من انتصار مسيطر جديد وإعادة تدوير الدولة.. والارتباك هنا منبعه هو أنها ستلتقى هنا مع قطاعات من القوى السياسية القديمة.. والتى كانت مرتبطة بمبارك ولم تقبل أو لم تستطع دخول مفاوضات مع الإخوان أو عقد صفقات مع الرئاسة.
والمعروف أن المرسى يمد خطوط اتصال مع الجناح المالى لنظام مبارك.. وهناك نجاحات لا تنكر فى إعادة بناء الجناح ليكون «القلب الاقتصادى» للحكم الجديد.
مباراة المرسى تربك الحلفاء أيضا، بداية من الحليف السلفى الذى لا يتبصر جيدا موقعه فى المباراة، هل يقيم عند الخط الفاصل بين السلطة والمعارضة؟ أو يحافظ على مواقعه فى ظل المطالبات بإعادة توزيع الحصص فى التأسيسية أو فى الحكومة، أو يراهن على أن الفشل الإخوانى يصب لصالحه؟ أسئلة صعبة على السلفيين الذين واجهوا ضربات مؤخرا هزت الثقة فى تنظيمهم السياسى، وأشارت إلى أنهم ما زالوا يراوحون عند بوابة بين السياسة وما قبلها.. بين الشيخ والسياسى، بين الصفقات مع السلطة أيا كانت السلطة (شفيق/مرسى.. لا فرق)، وبين ممارسة السياسة بما أنها فعلا تداول للسلطة.
حليف آخر مثل قيادة الجيش الجديدة ليس أقل ارتباكا، ورغم أننا لم نتعرف بعد على تفاصيل شركة الحكم الجديدة، فإن ما يبدو حتى الآن أن هناك سيطرة من الرئاسة، وفى المقابل حصل الجيش فى الدستور الجديد «ومن خلال المسودة» على كل مميزاته التى كتبها بنفسه فى وثيقة السلمى.. لكن تلوح فى الأفق إشارات إلى أنه من أجل السيطرة يمكن أن يقدم المشير طنطاوى والفريق عنان إلى المحاكمة.. وهذا مربك للحليف الكاكى الذى سوَّق الشراكة مع الإخوان على أنها ستعيد الهيبة وتمحو الإهانات التى تعرض لها الجيش بسبب طريقة المشير فى إدارة المرحلة الانتقالية.
والارتباك يطال أيضا الجناح المالى لنظام مبارك الذى كان مستعدا للدخول فى الشبكة الجديدة، بسبب عدم وضوح الرؤية، كما حدث فى العلاقة مع رشيد محمد رشيد الذى لعب أدوار وساطة للحصول على استثمارات فى الخليج وأمريكا، وكانت من أجله تروج فكرة التصالح مع المتهمين فى قضايا الأموال مقابل إعادتهم بعض هذه الأموال.. لكن لم ينجح الإخوان فى تمرير الفكرة وأصبحوا فى حاجة إلى فريسة كبيرة، يلهون بها قطاعات ستزداد معاناتها بسبب سياسات المرسى وحكومته.
والخلاصة: لا يحتاج المرسى فرصة فالسلطة فرصة.. لكن المرسى يتصور أنها مخصصة لاحتلال الفراغ الذى تركه مبارك وطرد الجميع منه