وائل عبد الفتاح
كم «مونولوجست» فقدتهم مصر وتحولوا إلى سياسيين ورموز بالنسبة إلى الرأى العام؟
المونولوجست ينتقم عادة من جمهور لم يقبل به كمونولوجست، لكنه قَبِل به كداعية أو مذيع أو مسؤول يتكلم كما لو كان يقدم اسكتشات ثقيلة الظل.
هتلر انتقم بعد مروره بمرحلة الرسام.
كان رسامًا وفشل فى الحصول على جائزة.
الفشل لم يجعله ينتقم، لكن رغبته فى الحرق كانت أقوى من أن يتحمله وحده فأشرك الناس كلها.. لم يقبل بنتيجة المسابقة فأراد أن يكوّن وحده لجنة تحكيم تختار من يعيش ومن يموت فى سبيل بشرية قوية.. كاملة الأوصاف.
أراد هتلر إلغاء المنافسة.
أراد أن يكون وحده.. فى هذا العالم.
عندما يظهر هتلر الآن.. تضحك الناس.
كوميديان.. يثير الضحك بعد أن أحرق العالم كله وتسبب فى قتل 80 مليون إنسان بسبب هلاوسه فى انتقاء البشر وتقسيم العالم.
يثير الضحك لأنه أصبح خارج الزمن.
كم سياسيًّا أو مذيعًا أو من يحمل تراخيص بالتصريح أو صاحب سلطة نكتشف فيه المونولوجست الكامن فى أعماقه؟
كم شيخًا يمكن أن يحرق بلدًا كاملة بسبب كلمتين ينسبهما إلى الله.. والقرآن.. وسنضحك عليه بعد سنوات لكن بعد أن تكون جريمته اكتملت؟
كم سياسيًّا يروضنا اليوم بكلام يستخدم فيه الدين ليعيدنا إلى الأقفاص التى خرجنا منها يوم 25 يناير.. وسنضحك عندما نفيق من غيبوبته لكن بعد أن يكون قد كرّهنا فى حياتنا؟
كم صاحب مصلحة قذرة لا يزوره الخجل فى المنام حتى شن هجومًا من أجل سريان مصلحته وباسم هيبة الدولة والوطن والعجلة التى لا بد أن تسير.. وسنكتشف كم كانت وصلاته من فن الانحطاط الصريح.. لكن بعد أن يكون قد جعلنا نشعر بأننا فى شبكة عنكبوت سام لا فكاك منها؟
نضحك الآن على مبارك والمافيا المحيطة به.. لكن بعد أن ردموا قيما وأفكارا كان يمكن أن نكون فيها كائنات أجمل وأرواحنا أخف.
وسنضحك بعد سنوات على وصلات ردح شوبير.. وجوقة البغبغانات فى شاشات الرياضة.. جوقة صوتها كريه لكنها تجد من يسمعها.. تجد الجزء الذى فسد فى الـ30 سنة جاهزًا للاستقبال.
سنضحك.. بعد سنوات وبعد أن تكون الركاكة قد أكلت جزءًا من القدرة على السعادة والاستمتاع بالرياضة واللعب.
وربما سنضحك على الشيخ الذى يسمى هلاوسه الجنسية فتاوى ويعتدى بها على الشهيرات.. لأنه ليس إلا محترف شتائم يطيل لحيته ويبدأ الشتيمة وينهيها باسم الله ورسوله.. لكن اكتشاف ما يضحكنا سيستهلك زمنا نتخلص فيه من إرهاب الفتوات باسم الدين.
كم زمنا سنعيش فى دورة حكم المعقدين نفسيا والفخورين بتخلفهم وجهلهم بعد سنوات من حكم المافيا واللصوص؟
إلى متى سنتحمل السلطة كما هى.. تشعر بالقلق وكلما ازداد قلقها زادت رغبتها فى البحث عن أدوات التسلط السريع.. وليس أمامها إلا دولاب مبارك؟
كم مرة سنتحمل صدمات مثل التى تحدث، كلما قال المستشار أحمد مكى وزير العدل تصريحا فى الصحف؟
هل يمكن أن نصدق أن رجلا دافع عن استقلال القضاء ودعمته الصحافة أن يشتمها فى أول لقاء وبشكل عمومى؟
هل يمكن أن نتعلم من رجل قيم، الاستقلال عن الحاكم ثم نجده يريد أن يقنعنا أن الطوارئ مذكورة فى القرآن؟
هل كانت المشكلة مع حاكم بعينه أم أن هناك حاكما سلطاته مذكورة فى القرآن وحاكما تحاربه بالقرآن؟
كم صدمة ستحتملها قدراتنا؟
كم دقيقة ستضيع مع الدهشة من حنين حسن البرنس إلى الفرقعات الدرامية فى السياسة؟
كم سنحتمل من استعراضات وزير الإعلام الذى تربى فى مزارع التوجيه المعنوى للإخوان.. استعراضات لم يحدد دوره فيها هل هو الوحش القادم لإخافة الإعلام أم أنه المعد الذى يختار الضيوف فى البرامج والكتاب فى الصحف الحكومية؟
استعراضات وزير التوجيه المعنوى.. لم تصل إلى مستوى استعراضات مستشار الشؤون القانونية الذى يريد ملء فراغ مشاهير التفصيل القانونى ليكون مقصدار العهد الجديد.. سنضحك على هذه الاستعراضات ربما أقل من أباطرة المهنة، مثل فتحى سرور ومفيد شهاب.. لكن بعد أن نكون قد ضيعنا فترة فى فقدان الثقة فى القانون ما زال بعبة فى يد السلطة.
يا هيبة الدولة كم ستضحكنا أيامك السوداء التى نعيشها الآن.. لكن كم مأساة سنعيشها لنصل إلى اكتشاف المونولوجست الكامن فى أعماق ما يحدث كله؟
نقلاً عن جريدة "التحرير"