وائل عبد الفتاح
ها هو الدكتور محمد عمارة يمارس هوايته المفضلة.
هواية تجنيد أتباع لخدمة أفكاره.
لا فرق هنا بينه عندما كان ماركسيا سريا أو عندما أصبح منظّرا للتطرف والكراهية.. باسم الإسلام.
خيط واحد يجمع الدكتور عمارة وكما كتبت عنه أكثر من مرة هو استخدام البحث والمعرفة لتبرير وتمرير أفكار أيديولوجية.. إنه باحث طول الوقت ليستخرج من الكتب أكثر ما فيها تطرفا.
وها هو ما استدعى الإمام الغزالى ليبرر وجود ميليشيات «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر».
لماذا لم يجد من الغزالى إلا هذا الوجه؟
الدكتور عمارة.. أجرى بحثا طويلا عريضا وأصدره فى ملحق خاص مع مجلة «الأزهر» ليقول: إن استخدام العنف فى الشوارع لفرض «المعروف» أمر جائز شرعا.
لماذا يفعل ذلك والآن؟
الدكتور عمارة من المختارين فى لجنة الدستور.. وهو رئيس تحرير مجلة «الأزهر».. وهو ما يثير الأسئلة طويلا عما تعنية «وسطية الأزهر».. وحجم واتساع تيار التطرف فى المؤسسة التى ظلت الدولة تستخدمها فى زمن الجمهورية الأولى.. وها هى فى مفترق طرق لاستخدامها من جديد جسرا لاختطاف الجمهورية الثانية.
المهم أن الدكتور عمارة ينشر أفكارا فى قلعة «وسطية» الإسلام.. أفكارا عن أن الأمر بالمعروف هو فرض على كل مسلم.
وهذا يعنى ببساطة منح شرعية لجماعات العنف باسم الإسلام.. تلك الجماعات التى قتلت السادات باسم النهى عن المنكر.. ثم اعتذرت عنه.. ويمكن أن تقتل وتنشر الرعب فى الشوارع.. ثم يخرج المعتذر ويعتذر.
هكذا فإن الدكتور عمارة يخلع ثوب الباحث: القلق إزاء ما يعرف.. المكتشف للحقائق الجديدة.. ويرتدى ثوب المحرض فى ميليشيات عنف قادمة. وهذه رحلة الدكتور عمارة من ١٩٧٢ إلى الآن، التى بدا فيها عند جمهوره، محاورا محترفا.. يكتسح خصومه. وبالفعل يمكن أن تجده فى الفضائيات يتحدث بمنطق مخيف يصدر الأحكام ويوزع الاتهامات ويعطى صكوك الغفران. إنه «زعيم» بلغة أهل السياسة. و«فتوة» بلغة الشارع. كما كان تقريبا وهو فى تنظيمات الماركسيين السرية. الأديب إبراهيم أصلان حكى بطريقته الساخرة عن الليلة التى أراد فيها أصدقاء من عتاة الماركسيين أن يقدموا له هدية. وعدوه بلقاء «شخص خطير» فى التنظيم. إبراهيم أعجبته الإثارة وتحرك فضوله للمقابلة فقالوا له: «سنطلب موعدا». فى الموعد اكتشف أن الأمر ليس بسيطا. شعر بالرعب والأصدقاء يحكون له عن تأمين منطقة التوفيقية التى سيتم فيها اللقاء. وشعر وهو يتحرك فى الشوارع الضيقة أنه تحت المراقبة، واختلط الرعب بالإثارة وانتظر بشغف ليعرف مَن «الخطير». ولم يكن سوى محمد عمارة. «زعيم مهم» كل ملامحه تشى بالخطورة والجدية الفاخرة. يتكلم قليلا، وينظر بعيدا. وفى كلامه تعليمات حتى وهو يعرض أفكاره. لم يضحك إبراهيم أصلان وقتها (فى الستينيات) بل بعدها بسنوات وهو يحكى لى الواقعة بينما أصبح «الزعيم الخطير» يحمل لقب «دكتور» فى الفلسفة الإسلامية ويرتدى عباءة ريفية على بدلة موديل السبعينيات. ويظهر فى الفضائيات باعتباره مرجعا إسلاميا، وشيخا لا تُرَدّ له فتوى. الشىء الأساسى الذى لم يتغير هو لغته الخطابية وطريقته فى تقسيم العالم إلى قسمين: «معنا» و«علينا»، أو بالمصطلحات الجديدة: «معسكر الخير» و«معسكر الشر»، وهى مصطلحات يحبها ويتحرك بها كل من بوش وبن لادن. بهذه الطريقة تكتسب كتابات الدكتور محمد عمارة حضورا فى مراحله المختلفة لأنها تعتمد على مداعبة الرأى العام. وضبط الأفكار على موجات «ما يطلبه المستمعون». يسرق الكاميرا والميكروفون بخطاب زاعق، حماسى، لا يدعو إلى التفكير، بل إلى الحشد على طريقة مشجعى مباريات كرة القدم… وما زال فى حكاية الدكتور عمارة تفاصيل أخرى.
نقلاً عن جريدة "التحرير"