وائل عبد الفتاح
رحل الشيطان من القصر.
فى مثل هذا اليوم من سنتين... طار مبارك وعائلته التعيسة إلى شرم الشيخ.
وظل القصر يستعدّ إلى أن حضر الملائكة... بعدها بعام ونصف.
دخل المرسى وفرقته...
ماذا فعلت ملائكة المرسى؟
وهل رحل كل شياطين مبارك معه واستقرت بجواره فى المستشفى العسكرى؟
المرسى لم «يفعلها» إلا فى تحسين صورة مبارك... لم يعُد شيطانا مقارنة بما يحدث اليوم... من الملائكة...
دخل المرسى القصر قادما من استعراض فتحة الجاكتة فى التحرير...
واليوم يعلى المرسى فى سور القصر... ويكاد يتحول بفعل الرعب إلى صندوق يحبس فيه غزاة الصناديق...
وبالمقارنة يمكن اكتشاف أن مبارك بكل انحطاط نظامه لم يكن قادرا على الوصول إلى المستوى الذى ووصل إليه المرسى فى ٧ أشهر فقط...
كان المرسى يتصور أن الشعب لم يتغير.. وأن هوجة ٢٥ يناير انتهت بوصوله هو وفرقة الملائكة المصاحبة له إلى القصر... تصور أن مهارة جماعته الانتخابية ستضع فى الصندوق نهاية لبذرة المجتمع الجديد...
تصور المرسى وجماعته والكهنة الذين يديرون من غرفهم المغلقة أنهم عثروا على الكنز فى الصندوق... ليعلنوا فيه دولتهم التى لن تسقط أبدا.
دخل المرسى القصر وبحث عن الخريطة... وتصور أن «كله بالحب» وأن الشعب الطيب بعد أن فتح صدره «سيقبل بما كان يقبله أيام مبارك».
لم يدرك أنه أمام مجتمع جديد وُلد يوم ١١ فبراير حين أدرك أنه يمكنه إسقاط الفرعون... ومن لحظتها نحن فى «زمن سياسى آخر» ما زال يتشكل.. على طريقة الانتقال إلى عصر المَرْكبات التى تسير بالبخار... أو الدخول فى عصر الميديا الجديدة بداية من التليفون المحمول حتى «تويتر».
التغيير حدث... لكن ليس الجميع قادرا على تقبله أو التفاعل معه أو الدخول فيه... أو فهم الأفكار والقيم الحاملة لهذا التغيير...
المرسى تَصوَّر أنه سينجح بالفهلوة القديمة... ثم يدير البلد بالطريقة القديمة... ثم يتربع هو وجماعته فى القصر بالشطارة القديمة...
لم يدرك الفجوة الزمنية التى عبرناها عندما غادر مبارك القصر... لم يدرك أن استعادة أجهزة الإجرام الرسمى ستورطه أكثر فى تركة مبارك.. سيحمل هو خطايا مؤسسة الأمن.. مقابل أنها ستكمل حائط الردع... أمام قوة شعرت بخيانة ساكن القصر لأحلامها فى «مصر جديدة» بلا استبداد ولا عصابة حاكمة.. والموطن فيها يشعر بالأمان والحرية...
قوة المجتمع الجديد...
هذا ما وُلد قبل 24 شهرا... وهذا ما يستحق التأمل الآن فى إطار الفوضى التى يصنعها نظام قديم يريد أن يحكم هذا المجتمع الجديد...
لن يحمى الحاكمَ... أسوارٌ عالية... ولا حشود أمنية... ولا قلعة كلما تَحصَّن داخلها تحولت إلى سجن...
لن يفهم المرسى... لأنه ليس إلا مندوب جماعة... ليس رئيسا ليكوِّن خبراته الفردية... أو يحرك وعيه الشخصى... إنه منفذ خطة.. وسائر حسب خريطة...
هذا الجانب الشخصى لا يراهَن عليه..
ويصعب من درجة استيعاب الجماعة التى لم يعد لديها إلا شهوة الحكم... دون أن تكون قادرة على الحكم... وهذا ما يصنع الخطايا الجديدة لمن دخلوا القصر ليطردوا شياطينه... وصدم الجميع بأنهم تحولوا إلى تتار... يلتهمون الدولة التهاما... يلتهمونها لأنهم يفقدون أى تصميم لبناء جديد... لا شىء سوى تعويذات الجماعة ومرشدها... ومشاعر انتقامية من الدولة الحديثة... وتربية عاطفية تجعل ابن الجماعة فخورا بنفسه وهو فارغ تماما... الأخلاق عنده ليست اختيارا ولكن سمع وطاعة... وهنا تُرتكب كل المعاصى ما دام يتحمل مسؤوليتها أصحاب الأمر والنهى... هذا الكسل الأخلاقى... ينتج عنه هؤلاء الذين حسبهم الشعب ملائكة... ومنحهم فرصة للتجريب.. وأثبتوا أنهم من صنف تعجز الأوصاف كلها عن وصفه...
هؤلاء الآن فى القصر... ومبارك فى زنزانته الطبية... والثورة تتجول فى الشارع منذ يوم 11 فبراير 2011
نقلاً عن جريدة "التحرير"