وائل عبد الفتاح
كتبتُ هذه المقدمة لملف نشرناه فى صحيفة «الفجر» فى ذكرى مرور ١٠٠ سنة على مولد حسن البنا.
تذكرتُها بعد أن أصبحت جماعة حسن البنا فى السلطة.. وبعد أن أصبحت تحكم الدولة الحديثة التى أنشئت الجماعة من أجل العداء معها.
جماعة حسن البنا قامت بالأساس ضد مشروع أن تكون مصر دولة بالمعنى الحديث، وتنفصل عن الدولة العثمانية، وكانت ترى أن مشروع محمد على قطع الطريق على عودة الخلافة.
…وفى المقدمة كتبت:
الآن بعد 100 سنة من ميلاده فى قرية مَثلها الأعلى هو الإمام محمد عبده، شيخ الأزهر المتمرد على موديلاته القديمة، والثائر الذى لا يفصل بين الاستقلال عن الاستعمار وإصلاح الدين.
لكنه لم يصبح محمد عبده. ولا هتلر أو موسولينى كما قالوا عنه فى عز نجوميته.
لكنه خليط من الإمام المجدِّد.. والزعيم النازى الذى يسيطر بالتنويم المغناطيسى على جماهير عمياء مكسورة الجناح. تشعر بضعفها وترى تحقُّقَها فى الذوبان تحت جناح الزعيم المهيمن.
1
حسن البنا هو أيضًا ابن ثقافة ريفية.. عاش صدمة الحياة فى الإسماعيلية، مدينة إفرنجية.. على أرض مصرية.
هناك كانت البيئة المناسبة لولادة تنظيم يبحث عن سند من 1400 سنة ليواجه الغرب المنتصر والمسيطر.
كان تنظيم البحث عن مجد قديم، زعيمه تربى فى مجال يمنح الواعظ الدينى رتبة اجتماعية.. أبوه كان مأذونا وساعاتى وخطيب مسجد القرية.
والبداية كما هى عادة التنظيمات الفاشية من خلال إعادة تربية الإنسان ليبدو دخوله التنظيم ولادة جديدة.
حسن البنا الشيخ الذى يرتدى بدلة مصنوعة بقماش مصرى وطربوش.. أنشأ جمعية سماها «منع المحرمات». اسم لا ينقصه الإغراء لجذب مراهقين يبحثون عن دور يشعرون به فى المجتمع. أعضاء الجمعية كانوا يرسلون بخطابات تهديد إلى من يرتكب منكرا.
التقى هذا مع الحس السياسى الساخن فى مظاهرات ثورة 1919 التى اشترك فيها حسن البنا وعمره لا يتجاوز 13 عامًا.
نَما عند حسن البنا على ما يبدو حِسّ المطاردة الأخلاقية والثورة السياسية فى إطار أوسع، وهو البكاء على سقوط الخلافة الإسلامية فى تركيا.
ليس غريبا هنا أن يظهر تنظيم الإخوان المسلمين من بيت حسن البنا فى الإسماعيلية فى نفس التوقيت الذى كان الملك فؤاد يبحث عن طريقة يحقق بها حلمه ليكون خليفة للمسلمين.
البنا كان كاريزما دينية مؤثرة، جمهوره من عمال المعسكرات فى منطقة القنال، هؤلاء هم نواة أول تنظيم سياسى فى مصر يدعو إلى العودة للإسلام.
لم يحلم بمنصب خليفة المسلمين، لكنه منح القوة لفكرة البحث عن خليفة مصرى.
2
حسن البنا محترف فى فكرة تنظيمات التربية الرشيدة.
وهو هنا يشبه كل التنظيمات الفاشية التى تقوم على فكرة الولاء.. والسمع والطاعة.
أفكارها كلها عن الخير المطلق.. والشر المطلق. تقسم العالم إلى فريقين: مؤمنين وكفار.
تنظيمات لا تعترف بالحرية الشخصية ولا بثقافة أن الفرد هو صانع التاريخ. وهو موديل من التنظيمات عرفه العالم كله فى لحظة من لحظات تطوره.
لحظة الأزمة.
لكن وبما أننا نعيش خارج الزمن السياسى فما زال الإخوان أقوى تنظيم سياسى. وما زال حسن البنا يحكم من القبر.
والحكاية لا تزال مستمرة..