من الطبيعى أن تصل الرسالة هكذا: «.. لا أحد بعيدا عن قبضتنا.. ولو كان أسطورة السنين الأخيرة».
ومن الطبيعى أن يكون الرد: «.. أبو تريكة خط أحمر..».
هذا هو المستوى الذى أدارت به جهات الدولة معركة أموال أبو تريكة.. سربت للصحف بعد شهر من قرار التحفظ، لتلقى فى المجال العام المحاصر بفتات قصة شهية من النوع الذى يشغل الناس.. كما لا تشغلهم أشياء أخرى.. وأيضا من النوع الذى تستعرض فيه الدولة جبروتها.. الذى لا يقاوم.. فمن يمكن أن يهرب من قبضة الدولة الآن؟ وإذا أردت الهروب أين ومن يمكنه أن ينصفك.
نحن رهائن.. قلناها..
والدولة تؤكد على وضع الرهينة كل لحظة.. وفى كل حكاية.. وبالقضاء والبوليس والتليفزيون.. بكل المؤسسات الرهيبة المتضخمة لنشعر أمامها أننا أمام «قدر لا يمكن الفكاك منه..».
هكذا هبطت حكاية أبو تريكة لتملأ الفراغ بعد انتهاء تأثير حكاية سيدة المطار.. ليس من قبيل «بص العصفورة» ولا الإلهاء.. ولكن من قبيل مجال خادع للنقاش السيسى.
المجال الذى يختلف فيه الناس على أدق التفاصيل من قرار حرب اليمن حتى جولة جمال مبارك مرورا باقتحام الحمار للمطار.. يعكس الفراغ الكبير كأننا بلا اتفاق (يسمونه اجتماع سياسى) على شىء.. كأننا فى كبسولة عابرة للزمان والمكان.
لهذا تصدر المحكمة الإدارية العليا حكما بتحريم الإضراب وفق الشريعة الإسلامية (متجاوزة الزمن وإعادة توصيف علاقات العمل...)، وفى أكثر تقديرات حسن النية فإن هذا من فعل حماية الدولة، ولأن الدولة مثل الفيل الذى يراه كل طرف من ناحيته، فإن الحكم صدر وخلفه تعليمات بالدفن المؤقت وعدم استخدامه لفترة، وطبعت منه خمس نسخ فقط، كما يتردد بين المحامين الذين حاولوا الحصول على نسخ.
سيستخدم حين الحاجة بالتأكيد..
كما أن حكاية أبو تريكة ظهرت حين صعدت الحاجة إلى رسالة: «.. ولا الجماهير تهمنا.. ».. وأن نجما أو أسطورة لا تخضع لهيمنتنا أو تخالف المنظومة التى ندير بها كل مجال.. سنكسره ونحوله إلى «مجرم».
ولأن الجماهير تدافع عن عشقها للاعب صنع بهجتها... فقد اختلطت الأمور فى المناقشة بين العشق والقانون.. بين الدفاع عن شخص أبو تريكة وبين ادعاء موضوعية بمنطق: لا أحد فوق القانون..
وأين القانون؟
وأين الثقة فى منظومة العدالة؟
فالحكم الصادر من محكمة الأمور المستعجلة، له طبيعة مؤقتة، وكان لا بد أن يتحول إلى حكم محكمة دائم.. أليس كذلك؟
كما أن هناك قوانين تضبط النشاط فى السياحة (لشركات مثل التى يمتلك أبو تريكة أسهما فيها) والتعليم (مثل المدارس الإخوانية وغيرها المملوكة لسلفيين وبقية القطاع الخارج عن سيطرة الوزارة).
وهكذا أفلتت الأمور من يدى صناع حكاية أبو تريكة وتضاربت التصريحات.. وارتبك الحكماء الموضوعيون الذين بنيت حكمتهم على فتافيت اتهامات.. وهستيريا حاكمة.
وهنا فإنه فى حضور هستيريا تدوس كل شىء.. لم يكن فى المقابل سوى هستيريا محبة صانع البهجة الذى لم يدخل ماكينات المنظومة الكروية التى لا تخلو من فساد وانحطاط.
الدفاع عن أبو تريكة.. بالمنطق العاطفى والمنحاز للخارجين عن المنظومة المافياوية التى تدير الكرة.. لا يقابله سوى دفاع عن بطش الدولة وتدميرها الذاتى لأعمدتها.. وأولها القانون.
ولا أن هناك من يرى أن تستيف الأوراق هو القانون.. فإننا سنقول له: لا أحد فوق القانون فعلا.
لكن أين القانون؟