لم يحاسب أحد اللواء فريد التهامى عن أيامه فى هيئة الرقابة الإدارية سنوات مبارك الأخيرة وما تلاها من حكم مجلس المشير طنطاوى، حين رفض التحقيق فى قضية القصور الرئاسية التى حُكم على مبارك ونجلَيه فيها.
بل إنه وبعد وصول المرسى إلى قصر الاتحادية كاد المستشار عبد المجيد محمود، أن يفتح تحقيقًا جديًّا فى بلاغ المقدم معتصم فتحى (الذى أجبره اللواء تهامى على الاستقالة بعد إصراره على فتح ملفات إبراهيم سليمان وزير إسكان مبارك…)، لكن اللواء التهامى لم يحقّق معه (… حتى فى أيام الإخوان) رغم أن المقدم معتصم هو الشاهد الرئيسى فى قضية القصور الرئاسية (التى كان رئيس الحكومة نفسه إبراهيم محلب، أحد المتهمين الأوائل فيها…). وأهدى لعشاق زمن اللصوصية الجميل/ الذين يشعرون بالحنين إلى «يوم من أيام مبارك»، حكاية من حكايات القاهرة كتبتها منذ عام تقريبًا تحت عنوان «لكى يعيش سيادة الرئيس اللص سعيدًا (واعتمدت فيها على تحقيق ممتاز لحسام بهجت من ملفات القضية، التى ظل دؤوبًا من أجلها المقدم معتصم فتحى، والذى أُبعد من منصبه لكى لا يتم استكمالها).
كتبت فى الحكاية: مثل سلالة لا لون لها.
لا هى زرقاء (من أصول ملكية) ولا كاكى (تعبير عن عسكريتاريا حاكمة لازمة)… مثل سلالة معلقة فى سلم الهويات… من دون معمار… فقدت عائلة مبارك قدرتها على حماية قصورها من فتش الأسرار.
السر الذى انكشف بالحكم على مبارك فى قضية «القصور الرئاسية» أن هذه قصور بنيت على فساد ممنهج منظم، كاد أن يصبح «ثقافة مقبولة»… بها فقط كان يمكن لعائلة مبارك أن تؤسس حضورها أو سلالتها… بها فقط انتقل مبارك من ارتداء بدلة إنتاج مصانع المحلة إلى بدلة استورد قماشها المكتوب على كل نسيجه اسم مبارك… شعور بالعظمة غطى على معايير الفساد الذى قدم باعتباره «حماية للمصلحة العليا..».
هذه هى كلمة السر فى ثقافة «قبول الفساد» أو تطبيعه.
وهذا ما تكتشفه من ملف القضية كما عرضته «مدى مصر» وكتب فيه حسام بهجت تحقيقًا ممتازًا.. من واقع آلاف الأوراق التى تضمَّنها الملف، وكشفت عن منهج خلط العام بالخاص.. واستخدام المال العام فى صنع ثروات خاصة أو الإنفاق من أموال محروم منها ملايين الفقراء..
بمعنى ما، فإنه لتحيا عائلة مبارك حياة السلالات.. فهناك فاتورة يدفعها المصريون من أموالهم.
وكما كتب حسام بهجت فى التحقيق:
* فقد أنفق المصريون دون علمهم ملايين الجنيهات على تجهيز وتأثيث ومشتروات وفواتير استهلاك الخدمات فى المكتبين الخاصَّين اللذين استخدمهما علاء وجمال مبارك لإدارة استثماراتهما المربحة فى شارع السعادة بروكسى فى مصر الجديدة.
* وقامت هايدى راسخ، زوجة علاء، بتحميل الدولة فواتير كل جنيه قامت بإنفاقه على ترميم وتجهيز الفيلا الجديدة التى اشتراها الزوجان فى منطقة الجولف الراقية بالقطامية هايتس فى القاهرة الجديدة.
* وعندما أنجب جمال وزوجته خديجة طفلتهما الأولى فى 2010، قامت شركة «المقاولين العرب» بدفع تكلفة تصميم وإنشاء وتأثيث جناح جديد منفصل للمولودة فريدة فى قصر العروبة بمصر الجديدة.
* وعندما قررت سوزان مبارك يومًا ما أن يكون لها مكتب خاص فى فندق سيتى ستارز إنتركونتيننتال الجديد، دفع المصريون تكلفة ديكوراته وكل قطعة من أثاثه.
بعد أربعة أيام قضتها سوزان مبارك فى سجن النساء بالقناطر تم إخلاء سبيلها وحفظ التحقيق معها. وانتشرت وقتها تقارير لم يتم تأكيدها بأن أنظمة خليجية قد ضغطت على قيادات المجلس العسكرى من أجل عدم ملاحقة أى من نساء آل مبارك، إن كان المجلس مُصرًّا على ملاحقة أى من أفراد أسرته أصلًا. ومن أجل حفظ التحقيقات قامت سوزان، وفقًا لبيان صدر وقتها عن وزارة العدل، بالتنازل عن ثروتها الخاصة التى قدرت بمبلغ 24 مليون جنيه، لم تتمكن من تحديد مصادر مشروعة لها. أما فى ما يخص قصر العروبة فقد حضر إلى جهاز الكسب غير المشروع مندوب عن جهاز المخابرات العامة وتطوَّع بتقديم إقرار يُظهر أن المخابرات كانت قد قامت ببيع القصر لسوزان «لأسباب أمنية»…
شعور آخر ستكتشفه فى مبارك، وقف مع زوجته لتحية محبّيه يوم عيد ميلاده.. شعور بأنه أدار عملية انتقال الثروة بكفاءة عبر تقوية آلة القمع.. وكأى راعٍ أو حارس لا بد أن له نسبة أو حصة من هذه الانتقالات.. شعور يمكنه أن يرمّم شيخوخته بمخدرات طبيعية لا تجعله يرى فى نفسه لصًّا.. أو يرى فى شرعنته للفساد جريمة لا يمحيها كل الخطابات العاطفية أو وقوفه مسنودًا بصبغته لقدر على إرسال تلويحة إلى عالم أفسده بمنهجية واحتراف.
وقبل وبعد كل ذلك: تحية لمعتصم فتحى.