قبل هجوم العريش كتبت أسئلة عن الوضع المعقد لمصر فى ظل التغير فى السعودية، وارتباكات أمريكا فى مواجهة داعش.
سألت:
كيف تكون لاعبا صلبا فى زمن تنصهر فيه المجتمعات والدول؟
اللاعبون الذين تحكموا فى اللعب طوال العقود التالية لسايكس بيكو، يريدون الاستمرار وبنفس القواعد وحسب نفس قوانين الجاذبية.
الثورات تجمدت فى ربيعها بعد أن تحالف اللاعبون القدامى، فى الداخل والإقليم (لعب الخليج دوره الباهر فى حصار موديل التغيير القادم من بلاد الثورات).
استرد اللاعب القديم بعد السنوات الأربع مكانه، استرداد الساحر المحتكر للأدوات، والمروض لوحش رابض اسمه (الجهاز البيروقراطى)، لكنه وكما تقول التجربة الكاملة فى مصر، لم يسترد الأرض التى يلعب عليها كاملة فقد تغيرت خصائصها. وأضيف إليها عناصر تكرس غربته أو افتراقه عن الزمن .. ذلك الافتراق الذى يحلّه بمقولات تحذيرية من مصير سوريا وليبيا واليمن.
بعد أربع سنوات خف فى سنتها الأخيرة الطلب على الحرية والعدالة مقابل الطلب على الاستقرار، بعد أن اهتزت الأرض بالخروج الكبير فى يناير وما تلاه، لكن هذا الخفوت لم يكن انسحابا كليا للملايين من مسرح السياسة.
وبدت الخطة هى العودة إلى الدولة التى يخدمها سكانها لا الدولة التى تخدم سكانها والفارق كبير، لكنها عودة صعبة كفيلة باستحقاقات ومشاريع وخطط، لم يكن هناك حل لها إلا بالإمعان فى اقتراب المارشال السيسى من حلفه الخليجى (السعودية والإمارات).
هذا الاقتراب لم يكن تنسيقيا، لكنه لقاء مصالح تعتمد فيه خطة المارشال للعبور من الأزمات على الدعم السياسى والمالى من الخليج، مقابل بناء سد عال من الدولة… فى وجه الثورة .
وهذا ما يجعل الخروج الغامض لجمال وعلاء مبارك عشية الذكرى الرابعة للثورة رسالة رمزية عن موت الثورة ، الرسالة أعدت كما تفسر فى أوساط سياسية فى مطابخ خليجية، أصرت على السير إلى النهاية فى إلغاء مكون يناير ولو بحضور ديكورى… خافت فى إعادة تركيب النظام الذى ليس مباركيا بالأشخاص، ولكن بالروح والمفاهيم الرافضة لاقتراب غريب عن المجموعة الضيقة من السلطة.
ولكى تمر المعجزة لا بد من علامات، أهمها طبعا الخروج من المأزق المالى، وفى هذا لا يمكن الاعتماد فقط على الحليف الخليجى، ولكن اتخاذه عرابا للتواصل من جديد مع العالم.
ولهذا تبدو الأهمية القصوى لمنتدى المستثمرين (المانحين) فى مارس القادم، الذى ستكون فيه المعركة الانتخابية خلفية ملائمة بالنسبة لتغيير موقف أمريكا، ومن تستطيع التأثير فيه، بينما الجانب الأوروبى يتشدد فى قوائم تتعلق بإجراءات على مستوى الحريات وحقوق الإنسان ترخى القبضة الأمنية.
وإذا تخيلنا أن هناك خلية تدير الأزمة، سنرى أنها تعانى أضعاف ما تعانيه قوى التغيير على هشاشتها ونزوعها الطوباوى، وغربتها عن تقلبات المجتمع من الخروج فى لحظة صوفية طلبا للحرية والعدالة والكرامة، ثم اعتذاره ونكوصه وتوبته عن الكفر بدين الدولة.
الخلية تعانى لأنه ليس لديها شىء، ليست قادرة إلا على تنفيذ خطة تمويت بطيئة للسياسة، باعتمادها على شعبية المارشال السيسى، وعلى السلاح الحاسم للمؤسسة العسكرية.. (والرئيس السيسى قال فى اجتماع مع الأحزاب: هل تتصورون أننى رئيس أو أن عندى سلطة؟ أنا مستدعى من الشعب). وهكذا تطورت فجأة خطة تمويت السياسة، إلى قتل السياسيين بإطلاق الرصاصات على شيماء الصباغ، المشاركة فى تجمع سلمى يحمل الورود، ماكينة القتل أصابها جنون لا يماثله إلا الجنون الجهادى الذى نشر فيديو خطف ضابط شرطة وقتله فى سيناء، ويتزامن هذا مع ظهور دعاوى تحريض وهمية أو مصنوعة فى أجهزة أمنية أو بها جزء حقيقى فإنها تشير إلى ما يفعله موت السياسة وموت السياسى وإصرار اللاعب على تجاهل أن الأرض التى يلعب عليها ما زالت سائلة.