وائل عبد الفتاح
يهمس الضابط أو وكيل النيابة للصحفى: عندى ليك هدية.
والصحفى يهرول إلى المكتب، تكبر معه أنفه الفاسدة من تشمُّم روائح هدايا من هذا النوع.
والهدية نفسها نشم جميعًا رائحتها فى اليوم التالى: شبكة دعارة/ رجل أعمال يمارس الفجور مع صاحبه/ القبض على بطلة كليب.
وهذه الأيام، هذه التصرفات أكبر من كونها أسلوبًا قديمًا للتغطية على جرائم/فضائح.. بخبر يخطف الانتباه ويفتح مسارح الاستعراض التى تصعد عليها الشرطة فى دور حارسة الأخلاق الرشيدة.. يحدث هذا فى ظل تصاعد الانتقادات عن عودة الانتهاكات والتعذيب فى الأقسام وأماكن الاحتجاز.
يحدث هذا ومانشيتات الصحف فى العالم تتناقل التقرير الفاجع المرعب عن استخدام القهر الجنسى فى الأقسام والسجون ضد المعارضين، لا فرق فى الجنس (ذكور وإناث) ولا فى السن (كبار وشباب وأطفال).
التقرير صادم، لأن الاعتماد على الانتهاكات الجنسية (تصل إلى الاغتصاب) كوسيلة فى «السيطرة» و«الترويض».. بينما تتفاخر الشرطة كل يوم بالصيد الثمين من حفلات «الشواذ» أو «العاهرات»، أو غيرها من مصادر بطولة نفس الجهاز الذى يرتكب جرائم جنسية لإذلال تعساء الحظ الذين يقعون تحت قبضته.
وهنا أتوقَّف عند هذه الحالة المدهشة التى نعيشها عندما يحرص الصحفى على نشر هدية من هدايا أبطال الفضيلة، وهم يلقون القبض مثلًا على مجموعات من المثليين (وهى تسميتهم فى العالم كله.. بعد اكتشاف أنهم ليسوا مرضى.. ولا مجرمين.. لكنهم ما زالوا هنا لدى أجهزة الشرطة أدوات استعراض).. وغالبًا هذه المجموعة ستحصل على براءة (لكن بعد تدمير حياتهم فداء بطولة الأخلاق الرشيدة).
تنشر الهدية، بينما تتناقل المواقع صورًا ولقطات عن تعذيب أفراد فى الأقسام بإقامة حفلات جنسية/من وضع العصا فى المؤخرة/ إلى الاغتصاب ومناداة الشخص/ الضحية بأسماء مؤنثة.. «قول أنا سوسن..».. «قول أنا عاوز…».
الشرطة إذن تقيم حفلات إهانات جنسية وتطارد حفلات تقول إنها جنسية شاذة/وفى الحالتين دون قانون، لأنه لا الضابط البطل الذى اقتحم حفلة «الشواذ» له سند قانونى/ فهو اعتدى على حرية شخصية/ كما أن المثلية الجنسية ليست جريمة/ لكنها من محسنات الأخلاق/ أو أداة ضبط مجتمع/ وهنا لا يمكن استبعاد التسريبات عن علاقة الإخوان بالمثلية الجنسية، والتى وصلت إلى طلب محامٍ بالكشف الجنسى على محمد مرسى..؟
القضية تتجاوز تجارة الفضائح/ إلى ما يمكن تسميته بأثر هذه التجارة على التفكير والتصورات عن الذات/ فردية وجماعية/ فالشرطة أو عقلها المهيمن الذى كان يحارب معارضيه بالفضائح/ وكلما اشتدت على النظام الذى يحميه الهجوم يفجر مثل قرص فوار فضيحة، مداعبًا الحس المحافظ/ ورافعًا درجة الخوف على الأخلاق.. هذا الجهاز أصبح مريضًا بالذكورة/ مهووسًا بالمعنى الجنسى للقهر.. وفى لحظة إقامة حفلة تعذيب جنسى لضحية فى قسم بوليس يخرج ضابط آخر ليقوم بمهمته فى ترسية دعائم الأخلاق ومطاردة حفلات «الشذوذ» الجماعية.
لهذا الجمهور سيصبح مثيرًا للشهية قصة أخرى حدثت منذ فترة بطلتها نجمة كوميدية (ذكر اسمها بالكامل) قالت الأخبار/ الهدايا من هذا النوع إن الشرطة ألقت القبض عليها.. (بتهمة كسر الحظر).. لكن الإثارة هنا ستموت مبكرًا، وكان لا بد من استكمال شواحن التشويق.. فاستكمل الخبر.. «وكان يتصاعد منها رائحة الكحول..» وبصحبة «3 رجال من.. (دولة خليجية)..»/ ولأن القانون لا يجرم ولم يمنع شرب الكحوليات فى مصر/ كما أن الوجود فى سيارة واحدة مع أبناء دولة من دول الخليج ليست تهمة/ ما الغرض من استكمال العناصر إلا الإيحاء بأن الشرطة لم تكن فقط تؤدّى مهمتها/ لكنها مارست انتهاكات ضد الحريات الشخصية/ واعتدت على الخصوصيات/ كل هذا من أجل فضح الجرائم الأخلاقية... وينتظرون فى نهاية الاستعراض أن يعلو التصفيق واللعنات على النجمة/ الضحية.. ليغطّى إيقاع الجماهير الغاضبة من أجل أخلاقها/ على أصوات الاعتراض والنقد لعودة حفلات التعذيب.
تبحث الشرطة عن زئير الغاضبين/ الخائفين على أخلاقهم/ ليغطى على أصوات الباحثين عن حقّهم فى أقسام شرطة خالية من حفلات الساديين والمهووسين بالسلطة.