وائل عبد الفتاح
انتظروهم قريبًا..
انتظروهم لعنةً تنافس لعنة مافيا مبارك.
انتظروهم أمراء وجماعات انتقام يعيشون على أطراف المدينة، مجانين يقتلون ببرود، يتسربون من مناطق لا تصل إليها سلطة، يقيمون فى نجوع على هامش المدينة المكتظة كعربة روبابيكيا، يدخنون الحشيش، لكنهم آخر طبعة من الجهاديين، أو الإخوان الجدد الذين اجتذبتهم المظلومية بعد فض «رابعة»، ليسوا تربية التنظيم الإخوانى الحديدى، ولا يخضعون للهرم المستقر منذ 80 سنة، هم أمراء جماعات الانتقام يتنقلون بين النجوع وبين الجماعات الغاضبة من الدولة، ليصنعوا دوائر جديدة للجماعة المترهلة، وفى الميكروباصات لا يهتمون بالشكليات القديمة، من الإصرار على القرآن والبسملة والفصحى المفارقة للمجتمع، لا يشبهون القدامى، لكنهم يراعون جمهورا من المصابين فى مستشفيات حرب لا يراها غيرهم، بنايات غير مكتملة تضم مئات جرحى فى عنابر أو مستعمرات تخمِّر فيها المظلومية عاطفتها ورواياتها.. لا تليفونات محمولة، فقط إنترنت يتصل بالعالم لتنطلق منه شظايا الرواية التى لا يراجعون فيها خطاياهم، ويبنون فيها نفسيات معادية للمجتمع، ليست الدولة وحدها إذن موطن العداء ولكنه المجتمع الذى رفض الإسلام حين رفض المرسى والجماعة، وصفق لاعتقال الشاطر وفض «رابعة» ويطارد الإخوان كلعنة الزمن الشرير. هم يحلمون بابتلاع مصر كلها انتقامًا، كما يحلم آخرون بابتلاعها لأنها «إقطاعيتهم المفقودة». هكذا على الضفة الأخرى أو على بعد رحلة ميكروباص مكتظ بنتاج السنين الطويلة منتجعات يتعلق أصحابها بأمل عودة الجنة الأرضية، جنة يحمون أنفسهم خلفها بأسوار وحراس وشبكات مصالح ونفوذ، أسوار عزلة عن الحياة، تباع خلفها الحياة ونعيمها.
بين النجع والمنتجع، تدفع القاهرة فاتورة عصر الانحطاط، ويدور أهلها فى دوامات تشبه الغرق فى ترعة راكدة، العالم القديم الذى ترعرع فيه الفاسد والإرهابى يتآكل، ونحن لأول مرة ندرك أننا جزء من هذا العالم بالتواطؤ أو بالمصلحة أو بالتصفيق مثلا لقاتل السادات، لأننا لا نستطيع إسقاطه أو بالتصفير على نغمة فاسد، لأنه سينقذنا من الإرهاب وحكمه الخانق.
عشنا أيام البدائل المضروبة من الأدوية فى الصيدليات، إلى عمر سليمان على كرسى الرئاسة، حتى أصبح هناك من يبكى على أيام مبارك، بل ويظهر مبارك نفسه وبصوته يلعب دور الحكيم الناصح، نعم هو نفسه راعى الانحطاط الأول ومدمر حياتنا، وقاتل التعليم والصحة والأمن، يقدم نصائح للمستقبل، قائد عملية التحويل من بلد إلى صحراء، ومن الأمل إلى الغرق فى رمال متحركة، الآن يظهر وينصح، بالضبط كما يمكن لأى قاتل من جماعات انتظار الخلافة، أن يمجد قادته والأمراء الذين يمنحونه الأوامر، وعبادته للأمراء لا تمنع حديثه اللائم عن عبادة البيادة أو الغرام بالعسكر.
انظر أين تقف؟ أىُّ قيم وأفكار تحدد موقعك من العالم؟
ليس بالمعنى القديم الذى كان يقول لك: أصلح من نفسك قبلما تطلب إصلاح النظام، ولكن بمعنى آخر إدراك اكتُشف فى أى مجتمع تعيش؟
كيف عشنا سنوات نقف احتراما للفاسد ونضرب له «تعظيم سلام»، لأننا عاجزون عن مقاومته أو لأننا تربينا على «أرقص للقرد فى دولته»، أو لأننا تعاملنا مع الفساد على أنه من طبائع الحكم «ليس المهم أن يسرقونا، ولكن عليهم أن ينظروا إلينا بعين العدل فى توزيع الفتات أو ما يجعلنا نصمت أو نتخيل أننا نعيش».
عشنا سنوات أيضا فى انتظار بركات من القاتل الذى يتحدث باسم السماء، ويوهمنا بأنه يحمل توكيلا من الله يدبج الفتاوى التى توافق عقله أو تصوراته عن العالم السعيد/ وهو ينشر الكآبة كحل بديل عن الحياة المحترمة.
هل تتصور أنه يمكن عودتنا إلى الكارثة التى عشنا فيها ٣٠ سنة تحت سطوة وسيطرة الإرهاب والفساد؟
نحن منذ ٤ سنوات ندفع ثمن اكتشافنا لما كنا فيه من «بالوعة نفايات»، ندفع ثمن سكوتنا عن السرطان يسرى فى جسدنا حتى أفقده جهاز المناعة، ندفع ثمن تسمية الركود استقرارًا، وتوزيع الهبات على الفقراء أعمالًا خيرية، ومنافسة النظام على التسلط علينا معارضة، بل ونسمى هذه «الخرابة الكبيرة» دولة.