وائل عبد الفتاح
سنفكر بعيدا عن حالة الاستقطاب أو التعالى فى صراع الأزهر على سلطته وهذا هو جوهر المعركة سواء مع المذيع التليفزيونى إسلام البحيرى.. أو فى اتجاهات متباينة باسم «ازدراء الدين» أو «محاربة التشيع».
فى هذه المعارك الأزهر يشعر أن سلطته مهددة (خصوصا بعد الضربة العنيفة لتيار الإسلاميين، المكمِّل الأيديولوجى للأزهر، فالأزهر دون الإسلاميين مؤسسة بيروقراطية لا طلب عليها). وفى لحظة تبحث فيها الدولة عن «زبيبة»، لتواجه خصمها الإسلامى الجريح، فإنها تفاضل بين «الأزهر» بطلباته المعروفة فى توسيع مساحة الشراكة وضمان الموقع المهيمن على الخطاب الدينى الرسمى، وبين السلفيين أصحاب الطموح السياسى والمستفزين جماهيريا والمرتبطين بأطراف أبعد من مصر تمويلا وعقيدة.
تحاول الدولة أو تركيبتها المسيطرة على الحكم الآن وكما يبدو اللعب بين طرفى التنافس على منحها «الزبيبة» واللعب يتخذ أبعادًا أكثر إثارة بدخول العنصر الدولى أو «صورة النظام فى الخارج» فيعلن السيسى «ثورة دينية» وتطلق عليه البروباجندا الزاعقة «مارتن لوثر الإسلامى» وهذه فى مرحلة كان الغرب يبحث فيها عمن يلعب دور «المعتدل» فى المعركة ضد «داعش».
ولم يكن السيسى بالطبع «مارتن لوثر»، كما أن ما يطلق عليه «إصلاح دينى» ينتهى غالبا وفى استعراضات الميديا الباحثة عن فضيحة، بتقليب فى كتب التراث والفقه، دون الاقتراب من دور الفقه كسلطة سياسية واجتماعية فى دولة حديثة/ ولا فى المسكوت عنه من علاقة الدين بالسياسة أو العقيدة والخضوع للحاكم (والتى تستند إليها تيارات بدأت بجماعة الإخوان ولم تنته بعد، فى اعتبار الخلافة الفرض السادس من الإسلام).
ما يتم هو سباق شطارة فى التنقيب عن المرويات المجهولة فى كتب ما زالت تتحكم فى حياتنا، ويعثر فيها شاطر تليفزيونى مثل إسلام البحيرى على ما يخالف الكنز الذى لدى شطّار المؤسسة الدينية الأزهر، وهو سر سلطتهم الذى يسمونه اختصاصًا، وهو فى النهاية «كهنوت..» يوقف الزمن عند لحظة، والدين عن تصور فى الدين صنعته المؤسسات الدينية السُّنية، بما تمثله من مصالح الحكام والطبقات المستفيدة.
الصراع الذى يخوضه الأزهر، ويستخدم فيه الدولة فى لحظة احتياجها، من أجل سلطته المهددة.
وهذا ما يجعل الدولة تضغط على صاحب قناة تعتمد الشطارة التجارية، ليلغى برنامجا تليفزيونيا لأنه يُفقد المؤسسة احتكارها، ويُطلع الناس على ما خفىَ من روايات الأضابير المؤسسة للسلطوية الأزهرية.
وبعيدا عن تقييم الشاطر التليفزيونى/ أو الاتفاق معه أو الإعجاب به/ فإن الموضوع هنا فى «السلطة» المانعة، والتى تتهم أى مختلف بالخروج عن «أصول الدين» (كما يُفهم من بيان الأزهر نفسه) أو بازدراء الدين (كما فى بلاغات متعددة من جهات أزهرية وغيرها)، وهنا فإن ما حدث فى برنامج إسلام هو هزيمة لتيار العلمانية السلطوية أى التى تنتظر من الدولة أن تحسم أو تشارك فى حسم حروب الاستنزاف والابتزاز باسم الدين.
الدولة تعلن انحيازها إلى مؤسستها الدينية، وتؤكد ذلك بتعيين الشيخ عباس شومان، وكيل الأزهر، عضوا بلجنة تطوير التعليم، والشيخ الذى أفتى أيام المرسى بتكفير كل معارض له/ واعتبره أميرًا للمؤمنين، والذى يدافع عن الأزهر كما هو بالمناهج التى يتربى فيها الطلاب على عداوة المخالفين لهم فى الدين، ولم تُلغَ فتوى أكل لحم الأسير إلا منذ أسابيع، هذا الشيخ هل يمكن أن ينتظر منه تطويرا أو مشاركة فى وضع أسس مناهج عن التفكير والخيال وتأسيس عقل نقدى خارج الأنماط التى تُخرِّج لنا «جهلة بشهادات تعليمية»؟
إنها رغبة فى الحفاظ على سلطة خرافية ومتوحشة تريد إحكام السيطرة على العقول، ومنع خيط النور من الوصول إلى كهوف ظلام جهل، يفخر ويعتز به جمهور كبير.