يفتتح الرئيس عبد الفتاح السيسى اليوم المؤتمر الإقتصادى بمدينة شرم الشيخ وسط حشد دولى وعربى ومصرى لم تشهده مصر من قبل.
. إن الشعب المصرى يضع امالا كبيرة على هذا التجمع والعالم يراقب ما يحدث فى مصر وينتظر النتائج.. ولا شك ان هذا المشهد التاريخى يمكن ان يمثل فرصة تاريخية لبناء مصر التى حلمنا بها زمنا طويلا.نحن الأن على ابواب مرحلة جديدة وزمن جديد ولا بد ان نتعلم من اخطائنا السابقة خاصة انها كانت اخطاء جسيمة عطلت مسيرة البناء والإنتاج والتقدم، لم تكن تجربتنا مع الإنفتاح الإقتصادى تجربة ناجحة فقد شابتها اخطاء كثيرة فى الفكر والتنفيذ والنتائج ورغم انها جسدت يوما حلما مصريا فى النمو الإقتصادى إلا انها تعثرت امام نوايا لم تصدق وسياسات فقدت الوسائل السليمة.. وحين جاءت تجربتنا مع الخصخصة وتشجيع القطاع الخاص مع خطط شاذة لبيع القطاع العام كانت النتائج أسوأ بكثير مما حدث فى تجربة الإنفتاح سنوات طويلة ضيعت فيها السياسات المتخبطة فرصا كثيرة على مصر والمصريين، كانت تجربة الخصخصة عملية شابتها العشوائية وعدم الأمانة وغياب الشفافية ولهذا تحولت الى كابوس ثقيل فقد فتحت أبوابا كثيرة للتحايل على اموال الشعب وربح من ربح وهرب من هرب وانتهى الأمر بثورتين وخلع رئيسين وبقى السؤال: لماذا فشلت تجربتنا مع الإنفتاح والخصخصة؟.
ان مؤتمر شرم الشيخ الذى يبدأ اليوم فى المدينة العريقة لا بد ان يستوعب دروس الماضى وهى لا تحتاج الى دراسات وابحاث بقدر حاجتها الى الشفافية وصدق النوايا.. والأمر لا يتطلب الكثير علينا فقط ان نفعل عكس ما فعلنا فى سنوات النهب والإعتداء على المال العام :
اولا : ان الهدف من التنمية الإقتصادية ان تحقق قدرا من العدالة فى توزيع موارد الدولة وتوفير الخدمات الأساسية للمواطن بما يضمن له حياة كريمة وحين تفشل البرامج والخطط الإقتصادية فى تحقيق ذلك علينا ان نبحث عن بدائل اخرى تحقق لنا هذا الهدف .. وهنا علينا ان نسأل لماذا لم تحقق السياسات الإقتصادية السابقة فى عهود رحلت هذه الأهداف .. كان من الخطأ ان تركز الحكومات السابقة على توزيع ثمار التنمية على عدد من الأشخاص ولعل هذا ما قاله مسئول كبير ان ثروة مصر تم توزيعها على عشر عائلات خلال ثلاثين عاما فلم تصل ثمار التنمية الى الملايين الذين اكلتهم اشباح الفقر والعشوائيات والأمية والأمراض .. ولهذا يجب ان يحرص مؤتمر شرم الشيخ على ان يضع الطبقات الفقيرة فى اولويات برامجه وهو يخاطب اصحاب الملايين .
ثانيا : لدينا مشروعات كثيرة اهملها مجتمع النصف فى المائة طوال السنوات الماضية وبقيت اسرار غامضة فى ملفات الحكومات المتعاقبة .. لقد بدأ الكشف عن اسرار هذه الملفات اخيرا ولكن يجب دراستها وتصنيفها والإبقاء على ما يستحق البقاء .. لدينا مشروع توشكى وقد انفقت عليه الدولة مئات الملايين ولم يقيم حتى الأن من الناحية الإقتصادية التقييم السليم وهل كان يستحق كل هذه الأموال التى انفقت عليه .. لدينا مشروع شرق التفريعة ومساحات الأراضى التى وزعت على خمسة اشخاص بالتمام والكمال .. ولم يعرف احد مصير هذا المشروع ولدينا قضية دولية قديمة كان ينبغى ان تكون لها اولوية فى مؤتمر شرم الشيخ وهى حقول الألغام التى تركتها جيوش دول المحور فى صحرائنا الغربية وضيعت على مصر فرصا كبيرة للزراعة والتنمية يجب ان يكون لنا موقف مع هذه الدول لتطهير هذه المساحات الشاسعة من هذه الكارثة، ان فى العلمين اكثر من نصف مليون فدان صالحة للزراعة وكانت يوما من اهم سلال الغلال فى العالم وبقيت عشرات السنين تعانى من ملايين الألغام التى زرعتها الجيوش الغربية فى ايام الحرب .. هذه قضية كان ينبغى ان تطرح من زمن بعيد لقد قام الجيش المصرى بتطهير مساحات كبيرة من هذه الأراضى ولكن على الدول الأجنبية ان تتحمل مسئوليتها تجاه المصريين فى هذه الكارثة التاريخية التى حرمتهم من استثمار جزء كبير من اراضيهم
ثالثا : لا بد ان ندرك ان تجارة الأراضى والعقارات لا تبنى اقتصادا حقيقيا وقد اسرفت الحكومات السابقة فى مسلسل بيع الأراضى والشقق والمضاربات الرهيبة التى حرمت مصر من انشطة اقتصادية اخرى كانت اولى بأن تأخذ الإهتمام، لقد باعت الحكومات السابقة مساحات شاسعة من الأراضى ما بين العقارات والمنتجعات والشواطئ و حتى العشوائيات ولكن ذلك كله لم يحل ازمة الإسكان وبقى الحصول على شقة حلما مستحيلا وكان الأخطر من ذلك انه حرم مصر من مساحات كبيرة من الأراضى الزراعية التى تحولت الى كتل خرسانية .. كان ينبغى ان تتعدد جوانب الأنشطة الإقتصادية ولكنها طوال السنوات الماضية تركزت على مضاربات الأراضى لقد استفاد عدد من الأشخاص من هذه السياسات الخاطئة ولكن جموع الشعب لم تأخذ شيئا وقد ترتب على ذلك ارتفاع رهيب فى الأسعار ترك اثاره على كل جوانب الحياة فى مصر ولهذا لا ينبغى ان تكون اهم اهداف مؤتمر شرم الشيخ هو الترويج لبيع الأراضى وتوزيع او تسقيع ما بقى منها لأن الأراضى فى كل الأعراف اصول وثوابت للأجيال القادمة وليس من حق جيل او حكومة ان تبيع ثروات الشعب ويكفى الذى ضاع .
رابعا : ينبغى ان يكون من اهم اهداف مؤتمر شرم الشيخ جذب الأموال الخارجية للإستثمار فى مصر وهذا يتطلب ان يقوم المستثمر بتحويل جزء من رأس المال الى مصر لتمويل مشروعه، فقد اعتاد المستثمرون فى السنوات الماضية على الإقتراض من البنوك المصرية وكان معظمهم لا يقوم بتحويل دولار واحد الى مصر، ولا شك ان مثل هذه الأخطاء السابقة لا تضيف شيئا للإقتصاد المصرى بل انها تحولت احيان الى عبء كبير على البنوك المصرية حين يعجز المستثمر عن سداد مستحقاتها، يدخل فى هذا الإطار ايضا ان نحرص فى الفترة القادمة على وقف نزيف الديون والتى تحولت الى شبح يهدد مستقبل الأجيال القادمة بعد ان اقتربت من 2 تريليون جنيه لا احد يعرف من اين تسددها هذه الأجيال .. ان كل مشروع يرتب ديونا على اجيالنا القادمة يمثل جريمة فى حق هذه الأجيال ومستقبلها .
خامسا : لا بد ان تراعى فى اى إجراءات اقتصادية قادمة قضايا التحكيم الدولى وقد عانينا منها كثيرا ابتداء بقضايا سياج فى طابا وانتهاء بقضايا الشركة الكويتية فى العياط، لا يعقل ان يأتى مستثمر ويدفع مائة دولار فى مشروع، ثم نجده يطلبنا للقضاء فى لندن او باريس مطالبا بتعويضات بالملايين لقد حدث ذلك اكثر من مرة ووجدنا انفسنا امام مجموعة من المغامرين الذين جاءوا بمشروعات وهمية ثم حملونا الى ساحات القضاء والتحكيم الدولى والتعويضات .. لقد عشنا تجارب قاسية ولا ينبغى ان نقع فى اخطائنا السابقة.
سادسا : كانت لنا تجارب دامية فى بيع القطاع العام فى برامج الخصخصة ولم تحقق اهدافها فلا هى دعمت الإقتصاد المصرى بالأموال المناسبة، والدليل اننا فتحنا مسلسل الديون، ولا هى قدمت صناعات حديثة متطورة ولهذا ينبغى ان نحافظ على ما بقى لدينا من المشروعات التى تمتلكها الدولة بحيث ندخل فى شراكة حقيقية لإستيراد التكنولوجيا الحديثة فى مجالات الإنتاج الصناعى والإتصالات، ان الأمر يتطلب ونحن امام تصور جديد لإنطلاقة اقتصادية حقيقية ان نضع اولوية لتنمية سيناء ومشروع قناة السويس وشرق التفريعة خاصة ان هناك قوانين جديدة تعد خصيصا لتشجيع الإستثمار فى هذه المناطق فى إطار مجالات جديدة ومزايا للمستثمرين ان هذه المناطق يمكن ان تحقق طفرة كبيرة فى التنمية وزيادة الدخل القومى.
سابعا : لا بد وان تكون هناك خطة متكاملة للتوسع الإنتاجى فى مجالات الصناعة والزراعة.. ان دولا صغيرة فى شرق آسيا استطاعت تحقيق دخل اقتصادى مذهل فى مجالات الصناعة مثل ماليزيا وسنغافورة وكوريا والهند واندونيسيا ولا بد من فتح مجالات للشباب المصرى لتنمية قدراته ووضع برامج حديثة للتدريب وإعادة التأهيل فى مجالات الإنتاج الصناعي.. وامام قضايا المياه لا بد من البحث عن وسائل جديدة للتوسع فى الإنتاج الزراعى على اسس حديثة، لقد اهملنا الزراعة المصرية وتحول جزء كبير من اراضينا الخضراء الى كتل خرسانية وجاء الوقت لوضع خطط لإنتاج زراعى جديد..
يجب ان يركز مؤتمر شرم الشيخ على تنمية موارد مصر الإقتصادية نحن من اكثر دول العالم استخداما للتليفون المحمول ولا ننتجه.. ولدينا عشرات الملايين من المدخنين ولا ننتج السجائر او نزرع الدخان.. ولا توجد سيارة مصرية مائة فى المائة.. ونستورد نصف ما نحتاج من الغذاء بكل انواعه ولدينا نصف آثار العالم فى المخازن والنصف الآخر يباع فى المزادات ونستورد الأسماك.. ولدينا شواطئ تمتد آلاف الكيلو مترات واكبر بحيرة فى العالم لم نستفد منها شيئا.. ولدينا ملايين الكيلومترات من الأراضى ونسكن منذ آلاف السنين على شريط مزدحم ومكدس بالملايين من البشر.. ولدينا ثروة بشرية لا تقدر بثمن ضاعت منا بين الأمية والبطالة والهجرة.. ولدينا مئات المستشفيات التى خربها الإهمال وغياب الضمير.. ولدينا جامعات كانت يوما منارات علم وتقدم واهملناها حتى سكنت الأشباح عقول أبنائنا ولدينا قناة السويس ومشروعها الجديد ويمكن تحويلها الى دولة كاملة فى الموقع والإنتاج والموارد.. ولدينا 2تريليون جنيه مدخرات فى البنوك لا تجد من يستثمرها وبعد هذا لدينا الأن مئات المصانع المتوقفة عن الإنتاج منذ ثورة يناير وتحتاج الى ثورة لإصلاحها وإعادتها للعمل والإنتاج.
كل هذه الأشياء المواقع والمصادر يمكن ان تتحول الى مستقبل يليق بنا وبالأجيال القادمة .. اننا نتمنى ان يكون مؤتمر شرم الشيخ بداية لعصر جديد ورؤى اكثر واقعية والتحاما بالواقع المصرى.. انها فرصة جديدة ينبغى ألا تأخذ مكانها بجانب عشرات الفرص الضائعة وعلينا ان نتعلم من اخطائنا كان الإنفتاح وليمة لعدد من الأشخاص الذين نهبوا موارد شعب وكانت الخصخصة ثمارا نهبتها عشر عائلات فى مصر ويجب ان نحافظ على ما بقى لهذا الشعب وهو اقل القليل ولعل مؤتمر شرم الشيخ يكون بداية عصر وزمان جديد.
تبقى بعد ذلك كله حقيقة مؤكدة ان مصر لن يبنيها الا المصريون ومهما جاءت الأموال وتدفقت الإستثمارات من الخارج فسوف تبقى اموال المصريين هى الحلم والغاية والخلاص.
..ويبقى الشعر
الوقتُ ليلٌ .. والشتاءُ بلا قـَمَرْ
مَاذا سَيبقـَى فى صَقِيع العُمر
غيرُ قصيدةٍ ثكـْلى..
يُعانقـُها كتابْ ؟!
وأناملٌ سَكنتْ على أوتارها
وترنحَتْ فى الصَّمتِ بين دفاتر الذكرى
فأرَّقها العذابْ
وبريقُ أيام ٍ
تعثــَّرَ بينَ ضوءِ الحُلم أحيانـًا ..
وأشْباح السَّرابْ
وزمانُ لـُقـْيَا ..
طافَ كالأنسَام حينـًا
ثم بعثرهُ الغيابْ
وقصيدَة ..
سَئمتْ سُجونَ الوَقتِ .. فانتفـَضتْ
تحلقُ فى السَّحابْ
وحكاية ٌ عَنْ عاشِق ٍ ..
رَسمَ الحياة َ حديقة ًغـَنـَّاءَ فى أرض ٍ خرابْ
وأتـَى الشـّتاءُ ..
فأغْرقَ الطـُّرقاتِ
أسْكتَ أغـْنياتِ الشـَّمس ِ
أوْصَدَ فى عُيونِى كـُلَّ بابْ
الوقتُ ليلٌ .. والشتاءُ بلا قمَرْ
يأتى الشتاءُ وعطـُرها
فوقَ المقاعد والمرايا الباكيةْ
وتـُطلُّ صورتـُها على الجدرانِ
وجهَا فى شموخ الصبح ِ
عينا كالسماءِ الصافيةْ
أطيافـُها ..
فى كلّ ركن ٍ تحمِلُ الذكرى
فـُتشعلُ نارَها
أحلامُ عمر ٍ باقيةْ
الكونُ يصْـغـُر فى عيون ِ الناس ِ
حين يصيُر عمرُ المرءِ ذكرى
أو حكايا ماضيةْ
فى رحلةِ النسيان ِ
تلتئمُ الجراحُ وتنطوى ..
إلا جـِراحَ القلب ِتبقى فى الجوانح ِ داميةْ
الوقتُ جلادُ قبيحُ الوجهِ
يرصُدُ خـُطوتى ..
وشتاؤنـَا ليلٌ طويلٌ عابثٌ ما أسوأهْ
لا تسأل ِ الملاحَ
حين يغيبُ فى وسط الظلام ِ
متى سَيَدْنـُو مرفأهْ؟
لا تسأل ِالقلبَ الحزينَ
وقد تناثـَر جُرحُهُ
عن أى سرٍّ خبأهُ ؟
لا تسأل الحلمَ العنيدَ
وقد تعثرت الخُطى
من يا تُرى.. قبلَ النهايةِ أرجأهْ ؟!
فالوقتُ ليلٌ
والقناديلُ الحزينة ُ حولنا
تبدو عيونـًا مُطـْفـَأهْ
لا تكتوى بين الشموع ِ
وأنت َ ترسمُ صورة َ الأمس ِالبعيدِ
على رَمادِ المدْفأهْ
فالعمرُ أجمَلُ ..
مِنْ عُيون حبيبةٍ رحلتْ
وأغلى ..
من عذابات ِ امرأةْ
من قصيدة «رحلة النسيان» سنة 1998