اخطر ما يهدد مصر الآن حالة الإنقسام التى يشهدها الشارع المصرى منذ ثورة يناير 2011 فقد تحولت مصر الى فصائل بشرية وفكرية ودينية متعارضة بل متصارعة والإنقسامات فى الأفكار والمواقف شئ مشروع ولكن الخطر الحقيقى ان تتحول الخلافات الى صراعات تصل الى درجة العنف والأخطر ان تأخذ طريقها الى الإرهاب..وحين قسم الإخوان المسلمون المصريين الى مؤمنين وكفار كانت هذه هى البداية التى ترتبت عليها آثار خطيره تهدد امن مصر واستقرارها..
لقد وضع الإخوان المسلمون بذور هذه الفتنة حين حاولوا إقصاء كل القوى الإجتماعية والسياسية والفكرية وإخراجها من الساحة او تهميش ادوارها وكانت الضحية الأولى فى هذه المأساة هى ثورة يناير التى وحدت المصريين يوما على هدف واحد هو الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية..
هذه الثلاثية التى لم يختلف عليها احد توارت تماما فى ظل الإنقسامات الحادة التى حولت المصريين الى فصائل فكرية واجتماعية وسياسية ووجدنا من يهاجم ثورة المصريين فى يناير بضراوة مطالبين بإسقاطها تماما من سجل حياتنا رغم انها كانت نقطة الضوء التى انطلقت منها مصر الى ثورة يونيه لتصحيح الأخطاء واستدراك ما فات وان بقيت آثار الإنقسامات تتفاعل يوما بعد يوم حتى وصلت الى ثوابت اساسية فى الدين والوطن والمسئولية..وتحولت هذه الإنقسامات الى ذلك الصدام الدامى بين اهل الفكر والصدام المسلح فى سيناء وعمليات التخريب والدمار والقتل التى نشاهدها كل يوم فى الشارع المصرى..وامام تراجع قيم الولاء والإنتماء والمواطنة والمسئولية نعيش الآن لحظة فارقة فى تاريخنا اما ان نتجه نحو المستقبل بروح الفريق او نرجع الى الماضى بروح الفرقة والشتات..امام هذا لابد ان نراجع انفسنا حتى لا نضل الطريق اكثر من هذا .
< حين طالب الرئيس عبد الفتاح السيسى بترشيد الخطاب الدينى كان حديثه واضحا ومحددا وصريحا وهو يطلب ذلك من الأزهر الشريف ولم يطلبه من جهة او مؤسسة اخرى لأنه يدرك بحكم مسئولياته دور المؤسسات فى هذه الدولة..ان الرئيس السيسى لم يطلب ذلك من الإعلام او التعليم او المحافظات ولكنه وجه حديثه الى الإمام الأكبر فضيلة الإمام د. احمد الطيب ان هذه مسئوليته امام الله..لم يكن من الضرورى بعد ذلك ان تختلط الأوراق او تتداخل الأدوار ونجد انفسنا امام انقسامات جديدة كان من الممكن ان يحدد الإعلام مسئولياته فى هذه المهمة حتى لو كانت له حسابات اخرى وآراء مختلفة مع الأزهر الشريف ولم يكن من الصعب ابدا انتقاد دور الأزهر فى سنوات مضت حول قضية الخطاب الدينى وضرورة ان يراجع نفسه ومشايخه ومناهجه فى ذلك كله..ولكن الخطأ الذى وقع فيه الإعلام انه تصور نفسه صاحب الدور الأساسى فى هذه المهمة وهذا تجاوز كبير..لا يعقل ان يقرر فريق الموظفين فى احد المستشفيات طرد الأطباء واصحاب الإختصاصات واقسام التخدير والإفاقة والأدوية لكى يقوم موظفو المستشفى من الإدارين والعمال بدور الأطباء حتى لو مات المرضى..شهدت الساحة هجوما ضاريا على الأزهر من الإعلاميين مطالبين بإقصاء هذه المؤسسة وابعادها عن اختصاص تاريخى حددته القوانين والثوابت..كان من الممكن ان يؤدى الإعلام دوره ومازال ذلك ممكنا ولكن ليس من حقه إقصاء فكر او تهميش فريق..من هنا كان الأمر يحتاج الى مراجعة خاصة إذا صدقت النوايا لأننا جميعا نسعى لهدف واحد لا نختلف عليه ان الخطاب الدينى يواجه محنة قاسية وازمة حقيقية ولكن من لديه القدرة على توحيد الصفوف والإرادة لكى نخرج جميعا من هذا النفق المظلم بأقل قدر من الخسائر.
< لم تنجح ثورة يناير فى توحيد القوى السياسية امام ضعف الأحزاب وحالة الترهل التى تعانيها هذه القوى..وللأسف الشديد ان الثورة سقطت فى يد الإخوان المسلمين لهذا السبب ودفعت جميع القوى الثمن بسبب ذلك..ولم تكن ثورة يونيه افضل حظا فى ذلك فقد زادت حدة الإنقسامات ووجدنا انفسنا امام تيارات ضعيفة واهية تترصد لبعضها وكما انقسم ثوار يناير انقسم ثوار يونيه وبدا الشارع السياسى ممزقا ونحن على ابواب انتخابات برلمانية تحتاج الى حشد شعبى ووطنى بل ان المعارك التى يبدو انها معارك فكر تحولت الى وسائل لتشتيت الصف وسقطت امام ذلك رموز كثيرة وبدأنا مبكرا مرحلة لتكسير العظام طالت وجوها وطنية كان ينبغى ان تحافظ على صورتها..
لا ادرى كيف يمكن ان تتم الإنتخابات البرلمانية وسط هذه الإنقسامات التى يحاول بعضها العودة بنا الى الماضى الغريب بكل سيئاته ورموزه..لا يستطيع احد الأن ان يحدد صورة تيار سياسى واعد يمكن ان يجد له مكانا فى مستقبل مصر السياسى..الأحزاب القديمة ترهلت والقوى السياسية الجديدة تصعد على اكتاف ماض قبيح وتستخدم كل اساليبه التى ثار الشعب ضدها وللأسف الشديد ان هذه القوى التى اخرجها الشعب فى ثورتين تجد امامها الساحة خالية وهو ما اغراها بأن تنقض على ثورة يناير وتتخلص منها ولن تتردد فى اتخاذ نفس الخطوات ضد ثورة يونيه وما بقى لها..هناك ظلال كثيفة تحيط بالمشهد العام فى مصر يصعب معها تحديد صورة واضحة لملامح المستقبل امام قوى تشده للماضى تحت ستار الدين او المصالح او اللعبة السياسية البغيضة.
< مازلت مترددا فى فهم الموقف الحقيقى لرجال الأعمال المصريين من النظام الحالى والصورة التى يريدونه عليها خاصة امام بعض رموز الماضى التى تسللت الى المشهد وتحاول الإيحاء بأنه لا شئ تغير فى مصر فمازالت شواهد الماضى القبيح تطل فى مناسبات عديدة..وامام مبالغ هزيلة قدمها رجال الأعمال لصندوق تحيا مصر الذى انشأه الرئيس السيسى وامام وجودهم الضعيف فى مؤتمر شرم الشيخ وامام صورة الإعلام الخاص الذى يمتلكه رجال الأعمال يشعر الإنسان احيانا بأنهم لم يكونوا على مستوى العطاء والمسئولية وينبغى ان يراجعوا مواقفهم تجاه مصر..اننى اقدر حجم المصالح التى ربطت بين رجال الأعمال والعهد البائد فقد كان سخيا معهم الى ابعد مدى وقدم لهم اصول الدولة المصرية على اطباق من الذهب ولكن ماراح راح والماضى لا يعود ولن يعود وعليهم ان يدركوا حجم مسئوليتهم فى إخراج مصر من محنتها فليس لهم ولنا غير وطن واحد.
< الشباب..الشباب..الشباب هم قضية مصر الأولى ويجب ان تتصدر كل القضايا هناك جهود كثيرة تبذلها الحكومة لإيجاد فرص للعمالة ومواجهة ازمة الإسكان وتدريب وتأهيل كوادر كثيرة وفتح المجالات والفرص فى جميع المناصب ولكن الشباب فى قطاعات كثيرة لديه إحساس بالمرارة..لقد تحمل متاعب كثيرة وهو يواجه هجوما ضاريا على ثورة يناير فى الإعلام المصرى الذى رفعه يوما الى السماء ثم هبط به الى قاع الإتهامات والخيانه..وكثير من هؤلاء الشباب خلف القضبان وصدرت تصريحات كثيرة تؤكد الإفراج عنهم ولكن الحكومة اجلت كل شئ لأسباب لا يعلمها احد..ان الشباب الذين يعيشون الآن خلف القضبان فى ظل اجراءات تنقصها العدالة ينبغى الإفراج عنهم وانا هنا اتحدث عن شباب غير مدان ولم يتلوث بدماء ولم يكن طرفا فى اعمال عنف او إرهاب..وبجانب هذا فإن الشباب يشعر انه بعد ثورتين وخلع رئيسين لم يحصل على شئ بل ان ظروفه وحياته ازدادت تعقيدا ومعاناة..وامام واقع بغيض موروث مازالت المناصب تصل بوسائل مجهولة فى مواقع العمل الحساسة الى المكان الخطأ ومازال الحديث عن العدالة وتكافؤ الفرص امرا صعبا بل مستحيلا وهذه قضايا تحتاج الى ضمير ووقت وقرارات حاسمة لأن الحق احق ان يتبع..يأتى فى هذا السياق ايضا البدء فى مواجهة مشاكل كثيرة يعانى منها شباب مصر وفى مقدمتها ازمة المخدرات وهى خطر رهيب يتسع كل يوم ويحصد الشباب ما بين الأمراض والإدمان وغياب الوعى مع اتساع مساحة الجرائم فى الشارع المصرى وقبل هذا كله ينبغى ان نبدأ فى مواجهة قضايا الإرهاب بالفكر والوعى والثقافة لأن الحرب ضد الإرهاب لن تكون بالأمن وحده ولكن الأمراض التى تسللت الى عقول شبابنا سنوات طويلة تحتاج الى مصحات فكرية وثقافية لأنها تهدد استقرار المجتمع كله..
< لا يمكن ان نتجاهل مشاكل وازمات المواطن المصرى البسيط واحتياجاته الحياتية وهى تدخل فى باب الضرورات..لا يمكن ان تبقى هذه الأزمات بلا حل بحيث لا يجد هذا المواطن انبوبة غاز او رغيف نظيف او مياه صحية ولا اقول نقية ومن الخطأ الجسيم ان نلقى 500 مواطن اصابتهم حالات التسمم بسبب مياه الشرب الملوثة فلا يجدون الماء النقى ولا يجدون العلاج إلا على ارصفة الشوارع..ان هذه الظواهر الغريبة هى التى لم تهتم بها النظم السابقة امام الإهمال والتسيب.. لا يعقل ان يكون هذا العدد من ضحايا الطرق والمواصلات كل يوم بل كل ساعة.. لا يعقل ان تكون اسعار السلع بهذه الحالة من المبالغات فى كل شئ وكأن الحكومة تركت المواطن حقا مستباحا للسماسرة والتجار وإذا سألت يقال لك انه سعر الدولار وما علاقة الدولار بالخيار والجرجير..على جانب آخر يجب ان تراعى الحكومة ظروف المواطن وهى تبيع الشقق بالدولار وبأسعار مذهلة وتقسم الأراضى حسب اهواء القادرين فى المنتجعات بينما تحاسب البسطاء لأنهم اقتطعوا من لحومهم جزء وبنوا عليه غرفتين لزواج الأبناء..لا يعقل ان تبقى المحاصيل رهينة فى يد بنك الإئتمان الزراعى فلا يشتريها احد او ان تقفز اسعار الأسمدة والمبيدات والبذور الى اسعار مخيفة او الا يجد العاملون فى المصانع مرتباتهم التى يعيشون منها وعليها امام إجراءات ادارية او مالية متراخية..
ان تكدس هذه الأزمات على رأس المواطن المصرى تمثل تهديدا للأمن والإستقرار..لقد حققت الحكومة انجازات كثيرة على مستوى المؤتمرات واللقاءات والمفاوضات مع العالم الخارجى والوفود المصرية من الحكومة لا تنقطع عن الزيارات الخارجية ولكن المواطن المصرى يتساءل وماذا بعد كل هذه اللقاءات وما هو المردود على الشارع المصرى صحيح اننا فى حالة حرب فى سيناء وعلى الحدود وفى مناطق اخرى ولكن كل ذلك ينبغى ان يكون له هدف واحد هو حماية مصر الداخل وحق شعبها فى حياة كريمة .
..ويبقي الشعر
وعلمتـنـا العشق قبل الأوان
فـلما كـبـرنـا..ودار الزمان
تبرأت منـا..وأصبحت تنـسي
فـلم نـر في العشق غير الهوان
عشقـناك يا نيل عمرا جميلا
عشقـناك خوفـا..وليلا طويلا
وهبنـاك يوما قلوبا بريئـه
فـهل كان عشقــك بعض الخطيئه ؟!
طـيورك ماتت..
ولم يبق شيء علي شاطـئـيــك
سوي الصمت..والخوف..والذكريات
أسافر عنك فأغدو طـليقا..
ويسقط قيدي
وأرجع فيك أري العمر قبرا
ويصبح صوتي بقايا رفات
طيورك ماتـت..
ولم يبق في العش غير الضحايا
رماد من الصبح..بعض الصغار
جمعت الخفافيش في شاطئيــك
ومات علـي العين.. ضوء النـهار
ظلام طويل علي ضفتيك
وكل مياهك صارت دماء
فكيف سنشرب منك الدماء..؟
تـري من نعاتب يا نيل ؟ قـل لي..
نعاتب فيك زمانـا حزينـا..
منحناه عمرا..ولم يعط شيئـا..
وهل ينجب الحزن غير الضياع
تـري هل نعاتب حلما طريدا. ؟
تحطم بين صخور المحال..
وأصبح حلما ذبيح الشراع
تـري هل نعاتب صبحا بريئـا..
تشرد بين دروب الحياة
وأصبح صبحا لقيط الشعاع ؟
تـري هل نعاتب وجها قديما
تواري مع القهر خلف الظلام
فأصبح سيفـا كسيح الذراع ؟
تـري من نعاتب يا نيل ؟ قـل لي..
ولم يبق في العمر الا القليل
حملناك في العين حبات ضوء
وبين الضلوع مواويل عشق..
وأطيار صبح تناجي الأصيل
فإن ضاع وجهي بين الزحام
وبعثرت عمري في كل أرض.
وصرت مشاعا..فأنت الدليل
تـري من نعاتب يا نيل ؟..قـل لي..
وما عاد في العمر وقت
لنعشق غيرك..أنت الرجاء
أنعشق غيرك..؟
وكيف ؟..وعشقـك فينـا دماء
تروح وتغـدو بـغير انتهاء
أسافر عنـك
فألمح وجهك في كل شيء
فيغدو الفنارات..يغدو المطارات
يغدو المقاهي..
يسد أمامي كل الطـرق
وأرجع يا نيل كي أحترق
وأهرب حينـا
فأصبح في الأرض طيفـا هزيلا
وأصرخ في النـاس.. أجري إليهم
وأرفـع رأسي لأبدو معك
فأصبح شيئـا كبيرا..كبيرا
طويناك يا نيل بين القـلوب
وفينـا تـعيش..ولا نـسمعك
تمزق فينـا..
وتدرك أنك أشعـلـت نارا
وأنك تحرق في أضلـعك
تعربد فينا..
وتدرك أن دمانـا تسيل..
وليست دمانا سوي أدمعك
تركت الخفافيش يا نيل تلـهو
وتعبث كالموت في مضجعك
وأصبحت تحيا بصمت القبور
وصوتي تكسر في مسمعك
لقـد غبت عنـا زمانـا طويلا
فقـل لي بربك من يرجعك؟
فعشقك ذنب..وهجرك ذنب
أسافر عنك..وقلـبي معك
قصيدة اسافر منك وقلبى معك سنة 1986