فاروق جويدة
اجمل ما حملت فى حياتى من دعوات امى”ربنا يا بنى يحبب فيك خلقه”ولا اعتقد ان هناك ابنا لم يسمع هذه الدعوة من أمه..هناك دعوات كثيرة حملتها ذكرياتنا مع امهاتنا ولكن دعوة الحب بقيت عندى اجمل الدعوات.
ولهذا عشت مؤمنا عن يقين ان غاية كل شىء فى هذه الحياة هو الحب..والحب لا يعنى فقط علاقة رجل وامرأة ولكنه نداء كونى لأن الحياة كلها خلقت على الحب ابتداء باللحظة التى تحتضن فيها الأرض البذور حتى تنبت وتتشعب وتجىء بالثمار وانتهاء بلحظة أبدية يتعانق فيها الجسد مع التراب ان علاقة الشجرة بالأرض علاقة حب كاملة..وعلاقة الأشجار ببعضها تكمل قصة الحب وحين تنقل الزهرات المشاعر بينها لتصبح ثمارا فهى علاقة حب..وكل الأشياء فى الدنيا قامت على الحب حتى الطيور حين تتحمل متاعب السفر ومشاق الرحلة فلابد لها من قصة حب لتختار الوطن الذى تسافر أليه..وعلاقة الإنسان مع وطنه بدأت بالحب..ان المكان ليس مجرد قطعة من التراب ان فيه ايامنا واحلامنا وأحزاننا واجساد ابائنا وامهاتنا لك أن تتخيل قطعة تراب تمشى عليها وفيها قلب امك الذى احتواك يوما عمراً وجسداً وحياة..ماذا يساوى هذا المكان عندك..كثيرا ما زرت امى وقبلت تراب قبرها وركعت امامه متذكرا دعوتها ربنا يحبب فيك خلقه..
لم تقل يغنيك بالمال أو الجاه أو المناصب..ولكنه ثراء الحب الذى لا ينفد لم تقل يحبب فيك شيئا غير البشر لان محبة البشر تشمل الكون كله..ولان الأم هى مدرسة الحب الأولى فى حياة الإنسان فهو يحب كل شىء يشبه أمه..انه يحب طعامها مهما رأى اوزار من الأماكن..ويستعيد صوتها لأنه أجمل أغنية حب سمعها..ويرى بريق عينيها حتى وأن خبا فى رحلة الأيام وأصبح ضوءا خافتا..ان أنفاسها تلاحقه طفلا..وتحميه رجلا..وتطل على وجهه كلما عصفت به أحزان الحياة..هى لا تغيب حتى وان غاب جسدها تبقى روحا محلقة فى سماء حياتنا تمنحنا القدرة حين تخذلنا الأيام وتمنحنا الصبر حين تخبو فى جوانحنا الإرادة..ونرى آلاف الوجوه وتبقى ملامحها الصادقة البريئة المؤمنة تضئ أيامنا كلما هبطت علينا أشباح الظلام.. كل سنة وكل الأمهات بخير.