مصر والعالم حسابات خاطئة

مصر والعالم.. حسابات خاطئة

المغرب اليوم -

مصر والعالم حسابات خاطئة

فاروق جويدة

اصبح من الصعب في زماننا ان تقوم العلاقات الدولية بين الدول والشعوب علي اسس راسخة من الثوابت التاريخية والأخلاقية فلقد تغيرت موازين السياسة وافتقدت الكثير من مقوماتها التاريخية.. ولهذا وجدنا هذه العلاقات تخضع لنشرة الأحوال الجوية فهي كل يوم علي حال.. ولعل السبب في ذلك يرجع الي تغير لغة المصالح وازدواج المفاهيم والمقاييس لمعني العلاقات المتوازنة, وبجانب هذا حالة القصور التي اصابت الواقع السياسي العالمي في كل جوانبه مما جعل المهمة صعبة والرسالة مستحيلة.. في حديث طويل ممتع علي غداء عمل دعا له وزير الخارجية نبيل فهمي عددا من الكتاب والمفكرين دار الحديث عن مستقبل العلاقات الخارجية المصرية مع العالم.. حاول الوزير ان يربط تاريخ وزارة الخارجية المؤسسة العريقة بحاضرها مع اطلاله نحو المستقبل.. لم يخل الأمر من تعليقات وتساؤلات هنا وهناك او محاولة لكشف الحقيقة رغم اننا نعلم انها تبدو احيانا مرة.. هناك جوانب يجب ان نحافظ علي سريتها لحساسيتها الشديدة وجوانب اخري يجب ان نتوقف عندها ونناقشها بكل الوضوح والصراحة.. دارت في ذهني افكار كثيرة وتوقفت عند بعض الملاحظات او ربما الأخطاء التي وقعت فيها سياستنا الخارجية طوال السنوات الماضية.. - لا بد ان نعترف ان مصر قد ضيقت الي ابعد الحدود مساراتها الخارجية بحيث انها انحصرت تقريبا في إطار دول الإتحاد الأوروبي وامريكا.. وكان من الخطأ الجسيم ان تترك الساحة الدولية بكل تنوعها واتساعها ومصالحها وتقتصر علاقاتنا علي هذه المساحة, لا أحد ينكر اهمية امريكا كقوة دولية وحيدة ومعها الاتحاد الأوروبي خاصة بعد ان اتسعت مساحته ليشمل اوروبا الشرقية بعد سقوط الإتحاد السوفيتي.. لقد استمدت علاقتنا مع امريكا اهميتها منذ توقيع اتفاقية السلام مع اسرائيل, واصبح من الضروري ان تعبر هذه العلاقات من تل ابيب احيانا لتصل الي واشنطن ولا شك ان هذه كانت نقطة ضعف اساسية في مسيرة القرار المصري حين اعتقد المسئولون عنه ان اسهل الطرق الي قلب امريكا هي إسرائيل.. وللحقيقة فإن اسرائيل في احيان كثيرة قد اكدت هذا التوجه وان دفعت مصر ثمنه غاليا من حيث الدور والأهمية والقرار.. في احيان كثيرة بدت سياسة مصر الخارجية وكأنها دائما في حالة انتظار لضوء اخضر يأتي من واشنطن وربما من تل ابيب.. وفي المقابل فقد فرطت مصر في علاقات تاريخية مع دول كثيرة.. فرطت مصر في علاقاتها مع الاتحاد السوفيتي السابق, روسيا حاليا رغم ان هذه العلاقة اعطت لمصر وزنا متميزا وصل بها الي حالة من التوازن في علاقاتها بين القوي العظمي.. ولا شك ان الإتحاد السوفيتي شعر في فترة ما بشئ من الجحود خاصة انه قدم لمصر دعما فريدا في كل المجالات الإنتاجية والعسكرية والصناعية وكان شريكا داعما للقرار المصري في فترة صعبة من تاريخ مصر الحديث.. فرطت مصر في علاقات تاريخية مع الهند حين بدأنا معا تجربتنا الأولي مع الديمقراطية والاستقلال وكان غاندي في دلهي وسعد زغلول في القاهرة وبعد ذلك توطدت العلاقات بين عبد الناصر ونهرو لتقوم منظومة عدم الانحياز مع الزعيم اليوجسلافي تيتو.. ومن ينظر الآن الي العلاقات المصرية الهندية يكتشف انها علاقات عادية جدا.. وما حدث مع الهند حدث مع الصين القوة العظمي الصاعدة ثم اندونيسيا وباكستان ودول شرق آسيا.. وفي نفس الاتجاه كان إهمال العلاقات التاريخية التي وصلت يومها الي حد المصاهرة مع إيران قبل ثورة يوليو حين تزوج شاه إيران بالأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق.. وتراجعت منظومة العلاقات التاريخية مع إيران لتصل الي درجة القطيعة, وما يقال عن إيران يقال ايضا عن تركيا, فقد شهدت مراحل تراجع وازدهار لأنها لم تقم في الأساس علي لغة المصالح بل شابتها في احيان كثيرة توجهات عقائدية اساءت لرصيد تاريخي ضخم بين البلدين رغم اشباح الماضي البغيض في ظل الخلافة العثمانية.. - في الجانب المهم من الصورة تبدو العلاقات بين مصر والدول العربية والتي قامت علي ثلاثية تاريخية لا يمكن تجاهلها هي الدين واللغة والجغرافيا وهي ثلاثية لا تكاد تجتمع في دولة واحدة وليس في عدد من الأوطان.. لقد فرطت مصر في دورها العربي امام صراعات سياسية غيرت كل الحسابات.. كان الدين الوسطي هو اول رسائل مصر التاريخية لعالمها العربي.. وكانت اللغة العربية بكل تراثها هي أهم واقدم وسائل التواصل بين الشعوب العربية ومنها كان الإبداع المصري الخلاق في كل جوانب الثقافة فكرا وشعرا وفنونا.. ثم كانت القوة الناعمة للمصريين والتي تجسدت في طبيب ماهر واستاذ جليل وعالم موسوعي وكفاءات قادرة في كل المجالات.. ومع القوة الناعمة المصرية في عصرها الذهبي تأكدت معاني الوحدة العربية ورباط الدم والأخوة وساعد علي ذلك علاقة جغرافية ربطت بين ابناء الأمة الواحدة لغة وتاريخا ومصيرا.. ان مصر هي التي فرطت في دورها العربي وتخلت عن ثوابتها وكوادرها ومقومات تميزها في مجالات كثيرة فقد الفن المصري بريقه.. ولم يعد لدي مصر ما تقدمه من الإبداع الأدبي والفكري الراقي الذي اعتاد عليه العالم العربي سنوات طويلة في ظل رموزها الكبار ومع تراجع اهمية اللغة العربية لدي الأجيال الجديدة طغت الفنون الأجنبية علي الذوق العربي في السينما الأمريكية ومواكب النت والفضائيات, وكان ينبغي ان تواكب مصر بإبداعاتها كل هذه المتغيرات, وبجانب هذا فإن المتغيرات السياسية والطفرات الإقتصادية ومنظومة التعليم الأجنبي التي حدثت في تركيبة المجتمعات العربية غيرت الكثير من ثوابتها ومفاهيمها, بل انها اصبحت قادرة علي تقديم نماذج ثقافية وحضارية تتناسب مع ظروفها, وما طرأ عليها من متغيرات.. هنا يبدو امامنا هذا السؤال.. وماهي صورة المستقبل وكيف نستعيد المكان والمكانة ونعيد للعلاقات المصرية مع العالم كل العالم توازنها القديم.. ؟ - لا أحد يفكر او يتجاهل دور امريكا القوة العظمي في العالم وما تقدمه لنا من دعم خاصة الدعم العسكري وهو جانب لا يستطيع أحد انكاره او تجاهله فقد استمر ثلاثين عاما, واصبح من المصادر الضرورية لقواتنا المسلحة.. ولكن من الخطأ ان تختصر امريكا علاقاتها مع مصر في بضع ملايين من الدولارات جعلت الرئيس اوباما يتحدث عنها في محفل دولي في الأمم المتحدة في تصرف لا يليق استنكره بوضوح وزير خارجية مصر ولا ينبغي ان تظل العلاقات بين مصر والعالم تدور في دائرة واحدة لأن مصر ما بعد الثورة لا بد وان تنفتح علي العالم كله, ولا بد ان نسعي الي مصادر انتاج وتطوير ومعرفة مع مراكز التقدم وما حدث في دول شرق اسيا اكبر دليل علي ذلك فقد استفادت الي أابعد مدي من التكنولوجيا المتقدمة والصناعات الصغيرة ووسائل الاتصال الحديثة وثورة المعلومات والإنترنت ومراكز المال العالمية.. - يجب ان نستعيد قدرات قوتنا الناعمة ليعود الدور المصري الفكري والثقافي الي العالم العربي لقد تراجعت قدرات كثيرة, ولكن بقيت نقاط ضوء يمكن الانطلاق منها.. رغم ما حدث للسينما المصرية وما اصابها من انهيارات إلا انها بقيت من الجسور القوية خاصة مع انتشار الفضائيات يأتي في هذا السياق ايضا دور الدراما المصرية وهي مازالت قادرة علي تقديم فن جيد.. يأتي ايضا دور الجامعات وهي مازالت تحتل مكانة كبيرة لدي المثقف العربي خاصة جامعة الأزهر المؤسسة الدينية العريقة وجامعة القاهرة بتاريخها المضيء.. هناك ايضا السياحة ومازالت مصر حتي الآن اهم مزار سياحي للمواطن العربي وبجانب دورها الحضاري فهي مصدر اقتصادي سريع ومؤثر..لقد فرطت مصر في علاقات شديدة العمق مع دول الخليج في فترة كان ينبغي ان تكون اكبر شريك لهذه الدول في بناء اقتصادياتها.. يأتي ايضا إهمال علاقة تاريخية مع السودان الشعب والعمق الإستراتيجي.. وتأتي ليبيا بوابتنا الي شمال افريقيا وتداخل سكاني وبشري وجغرافي يشمل ليبيا كلها.. - كان سد النهضة في اثيوبيا اكبر دليل علي فشل السياسة المصرية في التعامل مع افريقيا رغم اننا كنا يوما قلب افريقيا ولم نكن مجرد موقع متميز علي خريطتها.. لقد باعت مصر فروع شركة النصر واشترتها شركات اسرائيلية وكان لدينا عدد من الرموز التي لقيت دائما كل التقدير امثال بطرس غالي ومحمد فائق ومحمد غانم وتراجعت علاقاتنا مع افريقيا حتي وصلت احيانا الي درجة القطيعة رغم اننا نعلم ان شريان الحياة الذي يجري في اراضينا يمثل علاقة كونية فريدة لا يمكن اهمالها.. - كان الحديث مع وزير الخارجية نبيل فهمي حديثا ممتعا وعميقا طاف في مناطق كثيرة خاصة ان الرجل يضع يديه علي كل تفاصيل المشهد السياسي المصري, وهو يدرك نقاط ضعفه وما بقي له من مصادر القوة وقد كان شاهدا ومشاركا علي الكثير مما جري فيه. لا يستطيع وزير مسئول ان يضع تصورا كاملا للمستقبل في ظل حكومة انتقالية لن يتجاوز عمرها تسعة أشهر, ولكن علي الجانب الأخر فإن الرجل حريص علي ان يضع خطوطا لعلاقات دولية متوازنة ومبادئ عامة تحكم مسيرتنا نحافظ فيها علي مصالحنا وثوابتنا دون ان يتأثر ذلك كله بحسابات قديمة حملت الكثير من جوانب القصور والسلبية. .. ويبقي الشعر ركب الزمان يطوف في عبراتي وأنا أراك تطل من عرفات وأمامك التاريخ يسجد خاشعا والحق حولك شامخ الرايات وتودع الدنيا بوجه مشرق فيه الجلال.. ونبل كل صفات تبكي الجموع وأنت تهمس بينها قد لا أراكم في الحجيج الآتي لكنني أودعت في أعناقكم قرآن ربي.. سيرتي وحياتي لن تضلوا إن تمسكتم به فخلاص هذي الأرض في آياتي ويطل وجهك خلف ستر خافت فتري حشود الحق في الصلوات وتري الوجوه وقد أضاء جلالها والدهر يكتب أقدس الصفحات وتصيح فيهم أن غاية ديننا طهر القلوب ورفعة الغايات فجر الضمير رسالتي لا ترجعوا للكفر بعدي.. في ثياب طغاة لا تقربوا الأصنام بعدي إنها بيت الضلال.. وآفة الآفات ولتعبدوا الرحمن ربا واحدا فعلي هداه تفجرت صيحاتي الله خالق كل شيء فاجمعوا أشلاءكم بالحق والرحمات وحدت أشلاء.. جمعت شراذما وجعلت من طلل الشعوب بناتي الظلم في ركب الحياة ضلالة والعدل نور الله في الظلمات والذم في وجه الحياة جريمة وتميمة للرجس واللعنات والحق أولي أن تصان حصونه ليظل تاج الأرض والسموات والأرض عرض والدماء محارم ونقاء مال المرء بالصدقات حرية الإنسان غاية ديننا وطريقنا في كل فجر آتي ونساؤكم في كل بيت رحمة تاج العفاف وسام كل فتاة والعدل دستور الحياة فإن غفي هرعت حشود الظلم بالويلات والحكم عدل والشرائع حكمة والنفس عندي أكبر الحرمات أهل الكتاب لهم حقوق مثلنا في الأمن.. في الأوطان.. في الصلوات الله ساوي الخلق وحد بينهم في العيش.. في الأنساب.. في الدرجات أما الحياة وديعة في سرها هل يستوي الأحياء بالأموات ؟ ويل لأرض مات فجر ضميرها موت الضمائر قمة المأساة لكنني أيقنت أن رسالتي فيها الهدي من خالق السموات بلغت يا الله فاشهد أنني لم أنس حق رعيتي ورعاتي زوروا المدينة.. وأذكروني عندها من زار قبري صافحته حياتي أنا لم أكن إلا رسول قد خلت قبلي رسالات وهدي عظات بشر انا.. ما كنت ربا بينكم بل كنت فجرا لاح في لحظات وأفاض في الدنيا.. وأيقظ أهلهابالحق والتنزيل.. والآيات فإذا بدا في الأفق غيم عابث صلوا علي.. وأكثروا الصلوات ' من قصيدة علي باب المصطفي سنة2010'

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر والعالم حسابات خاطئة مصر والعالم حسابات خاطئة



GMT 18:02 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 18:00 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 17:57 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 17:51 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

التعليم مجانى وإلزامى (٦)

GMT 17:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

«المناقيش» سر تعثر لقاء السنباطى وفيروز!!

GMT 17:46 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حكمة نبيل العزبى!

GMT 17:44 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الشركات العامة

GMT 17:42 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أمر شائن!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib