فاروق جويدة
حين تفسد الضمائر تتغير القلوب وتتبدل المشاعر وتنسحب الرحمة.. كل هذه الظواهر المرضية تتسلل إلي حياة الناس وتصبح كالأوبئة التي تحاصرها من كل مكان.
وإذا سألت عن أسباب ذلك كله تكتشف أنه جشع الدنيا ومطامع الحياة.. ولك أن تتخيل مجتمعا سيطرت عليه أمراض الجشع وتسللت إليه الكراهية ورغم هذا مازال يتغني بالفضيلة ويدعي التقوي وهو يتاجر في أسوأ أنواع السلع وهي السياسة..
كل شيء في مصر الآن يتاجر.. هناك من يتاجر في السلع ولنا أن نتصور الزيادة في الأسعار التي تحاصر الناس كل دقيقة.. لا أحد يعرف كيف تدور عجلة الأسعار في مصر الآن ومن وراء مواكب المغامرين والتجار الذين يتحكمون في الأسواق وفي ظل غياب الحكومة أشرافا وتخطيطا ورقابة تري في الأسعار العجب.. وهناك من يتاجر في السياسة وهي سلعة فاسدة حين تفتقد الضمير وللأسف الشديد أن معظم المصريين الآن يتاجرون بالسياسة.. وفي زمان مضي كانت السياسة مهنة من لا عمل له والآن أصبحت من أكثر المهن رواجا وانتشارا.. وهناك أيضا من يتاجر باسم الدين وقد انتشرت هذه التجارة بصورة غير مسبوقة فكانت تجارة شراء الانتخابات وتزويرها وبيع الأصوات حتي الاعتصامات أصبحت لها أسعار وبرامج وفي ظل عشرات الأحزاب السياسية التي تم إنشاؤها منذ قامت ثورة يناير أصبح من الصعب أن تفرق بين تجار السياسة وتجار السلع وتجار الدين وهذه هي المحنة التي يعيشها المصريون الآن.. لقد تحولت الحياة إلي جحيم أمام أسعار السلع وتحولت إلي فوضي أمام تجار السياسة وتحولت إلي ضلال أمام تجار الدين.. وما بين الجحيم والفوضي والضلال تصبح الحياة بلا معني وهنا يمكن أن ينسحب الضمير وتغيب الرحمة وتنتشر مواكب الفساد.. والحل أن يبقي كل شيء في مكانه.. تبقي للدين سماحته.. وتبقي للسياسة أساليبها ويبقي لتجار السلع شيء نسميه النزاهة.. تبحث الآن عن نقطة ضوء ربما حملت لك شيئا من اليقين بأن الليل مهما طال فلابد أن يكون له آخر..
نقلًا عن جريدة "الأهرام"