فاروق جويدة
انسحبت قوات الشرطة أمام حشود الجماهير التي حاصرت قصر الاتحادية مقر رئيس الدولة في مصر الجديدة.. كان مشهدا راقيا بكل المقاييس ان الشرطة لم تعد سيفا مسلطا علي رقاب الشعب ولكنها تمثل الحماية للجميع..
هذا التحول في عقيدة رجل الشرطة يمثل إنجازا حضاريا وأخلاقيا كبيرا وهي نقطة تحول تاريخي في علاقة الشرطة بالشعب.. علي الجانب الآخر كانت جموع المتظاهرين تجلس علي إحدي المدرعات الخاصة بالشرطة تحميها من إنفلات الجماهير.. وقبل هذا كله ذهب المتظاهرون إلي قصر الاتحادية سيرا علي الأقدام من ميدان التحرير.. ومسجد النور بالعباسية ورابعة العدوية بمدينة نصر ومسجد الفتح وتجمعوا بالالاف حول القصر الجمهوري وبعد ان تركوا رسالتهم عادوا مرة أخري إلي ميدان التحرير سيرا علي الأقدام ومنهم الأمهات والآباء والأطفال ولم تحدث أزمة واحدة سواء في رحلة الذهاب أو العودة.. هذه الحشود اعادت لنا ذكريات وسلوكيات واخلاقيات ثورة يناير حين تجمع الملايين في ميدان التحرير ولم يشهد الميدان جريمة واحدة واختفي اللصوص من الساحة وكانت تجمعات الشباب حول مداخل الميدان تضع قواعد صارمة للدخول والخروج حتي لا يتسلل أحد لإفساد هذا المشهد التاريخي
لا أدري إلي متي سيتحمل فقراء مصر وسكان العشوائيات هذه المليونيات إلي متي ستظل الصراعات السياسية تعصف بنا ومتي تتوحد إرادة هذا الشعب للخروج من هذا النفق الطويل المظلم.. نحن امام تيارين لا بديل للالتقاء بينهما.. ان التيار الإسلامي لن يحكم وحده وهو أحوج ما يكون لفتح ابواب المشاركة مع التيارات الأخري.. والتيار الليبرالي لن يستسلم للرأي الواحد والاتجاه الواحد ولا بديل امام جميع القوي غير ان تؤمن بالحوار والتفاهم وإنكار الذات في هذه المرحلة التاريخية الصعبة.. ان المليونيات مهما كبرت هنا أو هناك لن تحل مشاكلنا والمظاهرات ومهما طالت لن تصل بنا إلي بر الأمان وعلي الجميع ان يدرك ان مصر في خطر وان أي رصاصة طائشة وسط هذا الصخب وهذا الزحام يمكن ان تتحول إلي مأساة شعب وليس صراعات نخبه..
نقلاً عن جريدة "الأهرام"