ضمير القاضي

ضمير القاضي..

المغرب اليوم -

ضمير القاضي

عبد العلي حامي الدين

عندما أقدمت إحدى الجمعيات الحقوقية على الإعلان عن مشروع هام يتعلق بنشر بعض الأحكام القضائية المعيبة والتعليق عليها
عبر بعض أطراف العملية القضائية عن امتعاضهم من هذا المشروع والاشمئزاز منه، والحقيقة أن بعض الأحكام القضائية ينبغي أن تنشر وتدرس في المعهد العالي للقضاء كنموذج للأحكام القضائية الفاسدة التي تمثل وصمة عار في جبين الهيئات القضائية التي أصدرتها..
عندما انطلق مشروع إصلاح منظومة العدالة أثير نقاش كبير ولازال مستمرا حول استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية، والواقع أن الدستور الجديد أقر مجموعة من الضمانات التي تعزز استقلال السلطة القضائية بدءا من اعتبار القضاء سلطة حقيقية إلى جانب السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية مرورا بتجريم التدخل في القضاء أو مجرد محاولة التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة، كما أوجب على القاضي إشعار المجلس الأعلى للسلطة القضائية بكل ما يهدد استقلاله، واعتبر إخلال القاضي بواجب الاستقلال والتجرد خطأ مهنيا جسيما..
كل هذه المقتضيات الدستورية وغيرها مما هو بصدد التبلور في نطاق القوانين التنظيمية ذات الصلة، ستبقى حبرا على ورق إذا لم يتحرر ضمير القاضي من ثقافة قديمة لازالت تكرس الكثير من مفاهيم الرقابة الذاتية التي يمارسها القاضي على نفسه خوفا من إزعاج جهات معينة..
في لقاءات عديدة مع عدد من القضاة نسمع أخبارا غريبة حول بعض الملفات الرائجة التي تكتسي صبغة خاصة أو تتعلق بشخصيات سياسية أو إعلامية، فهذا قاضي يبحث عن تدخل من جهة قضائية عليا حتى يتمكن من تطبيق القانون بكيفية سليمة، وآخر يتحدث على أن بعض الملفات لا يمكن البت فيها بصفة مجردة إلا بعد تلقي الضوء الأخضر من جهات معينة وإذا لم يتلق هذه الإشارة يبدأ في رحلة متعبة وشاقة لتخمين مزاج السلطة في الملف المعروض عليه، وإذا لم ينجح يأخذ بالرأي الأحوط وليس بروح القانون، أما من يتحلى منهم ببعض الجرأة فيطلب النجدة من رؤسائه لإعفائه من النظر في ملف معين، وقليل منهم من يمتلك الشجاعة لإعمال ضميره في القضايا الحساسة دون التفات إلى تبعات قراره..
الكثير من التخوفات التي تسكن في عقل العديد من القضاة نابعة من وهم الخوف من السلطة ومتشبعة بثقافة «قضائية» سابقة، لكن العديد من التخوفات تستند إلى وقائع معروفة ومتداولة بين القضاة تكبد فيها بعض القضاة النزهاء عواقب نزاهتهم واستقلاليتهم، ولازالوا يعانون في صمت من جراء قرارات تعسفية أصدرها ضدهم زملاءهم في المهنة...!!
اليوم يخوض مشروع إصلاح العدالة معركة كبيرة لضمان استقلالية القضاة، معركة ثقافية بالدرجة الأولى ضد ثقافة وهمية تنتمي إلى ما قبل دستور 2011، ومعركة أخرى لا تقل ضراوة ضد بعض الجهات السلطوية التي تعمل على «تسخير» القضاء لضرب المخالفين..
يبقى ضمير القاضي واقتناعه الراسخ والعميق بأنه أصبح يمثل سلطة مستقلة بذاتها هو المعول عليه لإصلاح القضاء وتحصينه ضد كافة أشكال التدخل والتأثير..لكن أيضا، ضد القابلية للتدخل.. وهذا أصعب وأعقد..

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ضمير القاضي ضمير القاضي



GMT 17:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 16:02 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 16:00 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 15:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

GMT 15:54 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 15:53 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 15:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وجع فى رأس إسرائيل

GMT 15:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حكم «الجنائية» وتوابعه

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 10:10 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شروط المملكة المغربية لإعادة علاقاتها مع إيران
المغرب اليوم - شروط المملكة المغربية لإعادة علاقاتها مع إيران

GMT 18:36 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
المغرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:49 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

المغربية عزيزة جلال تعود للغناء بعد توقف دام 30 عامًا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib