بقلم - عبد العالي حامي الدين
سبق أن أشرت في مقال سابق إلى أن المغرب نجح في مواجهة سؤال ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بشجاعة، وكانت خطوة شجاعة من طرف الملك محمد السادس، حينما استجاب لتوصية المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ومطلب الضحايا بتشكيل لجنة للحقيقة، ومواجهة هذا الماضي الأليم المتمثل في الاختفاء القسري، والاعتقال التعسفي، والتعذيب والحرمان من الحق في الحياة نتيجة الاستعمال المفرط وغير المتناسب للقوة العمومية، والاغتراب الاضطراري.
لكن، ينبغي الاعتراف بأن تحقيق المصالحة المجتمعية الشاملة حلم لم يكتمل، وهو ما يتطلب التنبيه إلى حجم العنف اللفظي المتداول في مختلف الوسائط الإعلامية، وشحنة الكراهية الرائجة في التداول العمومي، وحجم الحقد الذي تكشف عنه بعض الخطابات والمحاولات الحثيثة التي يقوم بها البعض لنشر بذور الصراعات المقيتة بين أبناء المجتمع الواحد، ومحاولات الاغتيال المعنوي للمخالفين، ومحاولة تبديد رصيد شعب وملك أعلن بكل وضوح أن الاختيار الديمقراطي هو خيار لا رجعة فيه.
لقد وثقت تجربة الإنصاف والمصالحة العديد من قصص الضحايا الأبرياء الذين اخترعت لهم قصص خيالية مثيرة بغرض تشويه سمعتهم وتدميرهم معنويا وإنسانياً والقضاء عليهم، وكانت الانتهاكات الجسيمة التي ترتكب في الليل وفي جنح الظلام يتم إضفاء الشرعية عليها في واضحة النهار -بتعبير الراحل بنزكري- عبر أحكام القضاء بعد انتزاع الاعترافات منهم بالتعذيب.
إن تعزيز فلسفة المصالحة لدى مختلف الفاعلين يمر عبر نبذ نزعات الحنين إلى العودة إلى الماضي بأساليب جديدة.. أساليب التشهير والقذف ونشر الأخبار الكاذبة، والأخطر: عدم احترام القانون، وعدم احترام الضمانات الأساسية التي وفرها المشرع لجميع الأفراد.
في قضية توفيق بوعشرين، تم الاعتداء بشكل واضح على مبدأ دستوري أساسي وهو قرينة البراءة. هذا الاعتداء على مبدأ قانوني يتجاوز في الجوهر حالة الصحافي بوعشرين، ليسائل الضمير القانوني والحقوقي لجميع الفاعلين الذين يقع على عاتقهم الدفاع عن الضمانات القانونية لحماية حقوق الجميع.
لقد نصت الفقرة الثالثة من الفصل 23 من الدستور على أن «قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان». لكن، لماذا تم إقرار هذا المبدأ في الدستور وفي المواثيق الدولية؟ إن قرينة البراءة هي ضمانة أساسية لحماية أمن الأشخاص وحماية حرياتهم الفردية، وعلى أساسها يستفيد المشتبه بهم أو المتهمون من نظام مشابه للنظام الذي يخضع له الشخص العادي، وبالتالي، فلا يجب حرمانه من حريته خلال سريان البحث والتحقيق والمحاكمة الجنائية. وإذا كان من الضروري إلقاء القبض عليه أو اعتقاله احتياطيا، فيتعين أن تقتضي ضرورات التحقيق والأمن العام ذلك.
– لقد أقر المشرع قرينة البراءة لمواجهة كل اتهام كاذب أو اقتناع مسبق، وكذا لإبعاد احتمال أي خطأ قضائي الذي يبقى حاضرا في جميع مراحل الدعوى الجنائية.
– إن هدف قرينة البراءة هو إشهار الحقيقة، وإقرار مبدأ المساواة بين المتقاضين قبل أن تقول العدالة كلمتها.
هل تم احترام الضمانات المتعلقة باحترام قرينة البراءة؟ وهل تم احترام الضمانات المتعلقة بمتابعة المتهم بوعشرين في حال اعتقال؟ وإيداعه السجن وإحالته على المحاكمة في حال اعتقال؟
لقد نص الفصل 23 من الدستور في فقرته الأولى على أنه «لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته، إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون. الاعتقال التعسفي أو السري والاختفاء القسري، من أخطر الجرائم، وتعرض مقترفيها لأقصى العقوبات».
ولهذا الغرض، فإن قانون المسطرة الجنائية لا يسمح للنيابة العامة بإيداع المتهم السجن، ومتابعته وإحالته إلى المحاكمة في حالة اعتقال إلا في حالة التلبس.
ومعلوم أن حالة التلبس، كما فصلتها المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية، غير متوفرة في قضية بوعشرين، حسب المعطيات التي كشفتها وقائع القضية. نعم، يمكن أن تتابعه النيابة العامة ولكن في حالة سراح، خصوصا مع توفر جميع ضمانات الحضور بالنسبة إلى صحافي معروف، لذلك، فإننا نتساءل عن الأساس القانوني الذي يقبع بموجبه بوعشرين اليوم في السجن! إن متابعة بوعشرين تمت بناء على شكايتين، ومعلوم أن الشكاية لا تعتبر ركنا من أركان التلبس.
دائما، في إطار نقاش هادئ، ومن منظور حقوقي محض، دفاعا عن سيادة القانون، ينبغي مساءلة الشروط التي بموجبها تم اقتحام مقر جريدة «أخبار اليوم» والقيام بتفتيشه، ومدى احترامها الإجراءات القانونية المطلوبة. هناك سؤال مطروح يحتاج إلى مناقشة جدية، وهو المتعلق بمدى اختصاص الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالبحث في شكايات متعلقة باعتداءات جنسية، علما أن اختصاصها يبقى منحصرا في الجرائم التي تمس أمن الدولة أو الجريمة الإرهابية أو العصابات الإجرامية أو القتل أو التسميم أو الاختطاف وأخذ الرهائن أو المخدرات… وهي الاختصاصات المنصوص عليها في المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية. وبغض النظر عن هذه الملاحظة التي تتطلب جوابا مقنعا، هل توفرت الضمانات المتعلقة بتفتيش مقر العمل بالنسبة إلى السيد توفيق بوعشرين؟ احترام الضمانات التي نص عليها الدستور المغربي، وكذلك المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، هو العلامة الأساسية على سيادة القانون، والتي دون احترامها من الصعب أن نتحدث عن توفر شروط المحاكمة العادلة؟
هل تم احترام الضمانات المتعلقة بالتفتيش؟ حسب مقتضيات الفصل 24 من الدستور: «لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة. لا تنتهك حرمة المنزل، ولا يمكن القيام بأي تفتيش إلا وفق الشروط والإجراءات التي ينص عليها القانون».
ومعلوم أن المقتضيات القانونية ذات الصِّلة تشدد على ضرورة موافقة المعني بالأمر كتابة، مع توفر إذن مكتوب من النيابة العامة يشعر به المعني بالأمر. ويترتب على مخالفة هذه الإجراءات بطلان المسطرة بأكملها.
القضية معروضة على القضاء، ووحدها المحاكمة العادلة قادرة على الوصول إلى الحقيقة وقول الكلمة الفصل في هذا الموضوع.