بقلم - عبد العالي حامي الدين
قبل يومين حلت الذكرى الأولى للمسيرة «المجهولة» التي نظمت بالدار البيضاء، والتي يطلق عليها شعب الفايسبوك اسم مسيرة ولد زروال، بعدما ذكر اسمه على لسان إحدى السيدات التي شاركت في هذه المسيرة، مقابل استفادتها من خروف العيد…
المسيرة نظمت تحت شعار: «لا لأخونة الدولة وأسلمة المجتمع»، ورفعت فيها لافتات مكتوبة تطالب بإسقاط بنكيران وحزبه، حملها نساء ورجال بعيدين جدا عن إدراك معناها، وتم استهداف العديد من قيادات العدالة والتنمية عبر رفع صورهم وكيل الاتهامات لهم..
كاتب هذه السطور نال حظه من القذف المعتاد، وظهر بأن الذين قادوا حملات ممنهجة ضده ليسوا بعيدين عمن خططوا لهذه المسيرة الفضيحة.. طبعا، الذين خططوا لهذه المسيرة كانوا يعرفون ما يريدون: قاموا باستباق انتخابات السابع من أكتوبر عبر استدعاء النموذج المصري ومحاولة تجريبه في المغرب، أي نزع غطاء الشرعية الشعبية عن الحزب الأول، تمهيدا لإسقاطه عبر انتخابات شكلية يقتنع معها الرأي العام الوطني والدولي بتراجع شعبية العدالة والتنمية، وزعيمه عبدالإله بنكيران، وتعبيدا للطريق السيار أمام الحزب المعلوم لتولي مهمة رئاسة الحكومة، تماما كما جرى يوم 30 يوليوز بساحات القاهرة، حينما خرج الملايين مطالبين برحيل الرئيس المنتخب تمهيدا لاستيلاء الجيش على السلطة بعد سحب «التفويض الشعبي» منه، وبقية القصة معروفة…
الذين خططوا لهذه المسيرة ونظموها لم ينتبهوا إلى العديد من الفروقات الجوهرية التي تجعل التجربة المغربية بعيدة جدا، عن إمكانية استنساخ أي نموذج ومحاولة استنباته قسرا داخل التربة المغربية.
أولا، الفرق الجوهري بين منصب رئيس حكومة في ظل نظام ملكي ومنصب رئيس دولة في نظام جمهوري، فرئيس الحكومة في النظام الدستوري المغربي يتمتع بصلاحيات محدودة، في ظل نظام ملكي يتمتع فيه الملك بصلاحيات تنفيذية حصرية في المجالات الاستراتيجية والعسكرية والدينية، وهو ما يجعل الرهانات السياسية لكلا التجربتين مختلفتين.
ثانيا، اختلاف الظروف الإقليمية، خصوصا في العلاقة بإسرائيل، ذلك أن رئيس الجمهورية في مصر، هو رئيس الجيش داخل دولة ترتبط باتفاقية صلح مع الكيان الصهيوني، بينما كانت القناعة السياسية لرئيس ينتمي إلى الإخوان المسلمين مخالفة ضمنيا لهذه الاتفاقية، وقد ظهر ذلك في حرب غزة سنة 2012 حينما صرح محمد مرسي، بأن بلاده لن تترك غزة وحدها، واصفا الهجمات الإسرائيلية على القطاع بأنها عدوان سافر على الإنسانية، بل قام بسحب السفير المصري من إسرائيل وأوفد رئيس الوزراء هشام قنديل إلى غزة، على رأس وفد يضم عددا من مساعدي الرئيس ومستشاريه والوزراء.. كل هذه القرارات كان من شأنها أن تساهم في تغيير العقيدة العسكرية للجيش المصري، وتثير حفيظة الكيان الصهيوني وحليفه الاستراتيجي الولايات المتحدة الأمريكية، ويستفز بعض دول الخليج التي تعتبر الجيش المصري حليفها الأول ضد التهديد الاستراتيجي الذي تمثله إيران وأطماعها التوسعية في المنطقة…
وقد كانت هذه المعطيات الإقليمية من الأسباب التي دفعت عددا من العقلاء إلى تقديم النصيحة لجماعة الإخوان المسلمين بعدم الترشح لمنصب رئيس الجمهورية.. ثالثا: جماعة الإخوان المسلمين جاءت إلى منصب رئيس الجمهورية في ظل نظام إقليمي معقد دون تراكم سياسي معتبر، علينا أن نتذكر أن أغلب قيادات الجماعة كانت في السجن قبيل ثورة يناير 2011، وعاشت على إيقاع توتر مستمر بينها وبين النظام الحاكم، بينما تجربة العدالة والتنمية كانت مختلفة تماما، فقد جربت العمل الجماعي والبرلماني لمدة تزيد عن 20 عاما قبل أن تشارك في الحكومة وتنجح في رئاستها لمدة خمس سنوات متواصلة، وقد انطلق حزب العدالة والتنمية من قناعة راسخة بالعمل في توافق دائم مع المؤسسة الملكية وبعدم التنازع معها. رابعا، رغم قوة تنظيمها، فإن جماعة الإخوان المسلمين كانت تعاني من معارضة شديدة من طرف فئات شعبية واسعة، من أبرزها ملايين الأقباط الذين ينظرون بعين الريبة والشك إلى هذه الجماعة، بالإضافة إلى العديد من النخب الفنية والفكرية والثقافية، التي كان من السهل تأليبها ضد حكم الإخوان، وهو ما لا ينطبق على حالة العدالة والتنمية في المغرب، الذي حظي باحترام واسع من طرف الجميع، وهو ما أكدته الاستحقاقات الانتخابية منذ 2011، كما أكده فشل مسيرة 18 شتنبر 2015 التي أظهرت بما لا يدع مجالا للشك، صعوبة تضليل الشعب المغربي الذي عاقب منظميها بتصويته الباهر يوم 7 أكتوبر..