بقلم : عبد العالي حامي الدين
مسار طويل من الصبر والتضحية المستند إلى الإيمان بالله وقدرته الخارقة على تصريف الأقدار حيث يشاء، وبقدرة الشعب المغربي على إعطاء دفعة قوية لمسار الإصلاح في ظل الاستقرار.. مسار طويل من النضال المحفوف بالكثير من العراقيل والمناورات والدسائس والضرب تحت الحزام، واجه فيه حزب العدالة والتنمية حملات إعلامية ظالمة قائمة على الكذب والتضليل والخداع وفبركة الملفات، واستهداف الحياة الخاصة لرموزه ومناضليه.. واجه فيه هذه الحملات بالكثير من الصبر والإصرار على الاستمرار في طريق الإصلاح، ومنهج التوازن والاعتدال في التعاطي مع مشكلات الدولة والمجتمع.
النتائج الأولية التي بوأت حزب المصباح الرتبة الأولى بفارق محترم عن الأحزاب الأخرى، أكدت الكثير من الحقائق التي ينبغي لجميع الفاعلين استخلاص الدروس المطلوبة منها:
أولا، تأكيد حقيقة الاستثناء المغربي في المنطقة العربية، وسقوط جميع الأطروحات التي راهنت على إغلاق القوس الديمقراطي الذي فتح على إيقاع «الربيع العربي»، ورسوخ الاختيار الديمقراطي بشكل لا رجعة فيه، كما أكد ذلك جلالة الملك محمد السادس، وهو الاختيار الذي أصبح مستقرا في الدستور، وبموجبه تمنح الكلمة للشعب لاختيار ممثليه، واختيار الحزب الذي يقود الحكومة… فرغم جميع التجاوزات والاختلالات المؤكدة التي رافقت سير العملية الانتخابية، ورغم جميع المخططات التي كانت ترسم لإجهاض هذه التجربة، فإن المغرب نجح في تنظيم ثاني انتخابات لاختيار أعضاء مجلس النواب في وقتها المحدد، بطريقة سمحت له بالحفاظ على مكانته كبلد يشق طريقه بثبات نحو نادي الدول الديمقراطية.
ثانيا، لقد أكد الناخبون المغاربة امتلاكهم القدرة على استشعار التهديدات الجدية التي أحسوا بها تحاك ضد ديمقراطيتهم الناشئة، وكان جوابهم هو التصويت بكثافة لفائدة لوائح المصباح.. هذا التصويت ينبغي استخلاص الكثير من الدروس منه، من أبرزها: محدودية تأثير المال في العملية الانتخابية، ليس فقط في المدن، ولكن في البادية أيضا.. من المؤكد أن المغرب يعرف تحولات اجتماعية عميقة تؤشر على ارتفاع منسوب الوعي بأهمية الصوت الانتخابي، وبأهمية الرهانات السياسية للعملية الانتخابية، وهو ما سيسهم في إحباط جميع المشاريع الحزبية الوهمية القائمة على الدعم المرحلي لبعض مراكز النفوذ والمال داخل مفاصل الإدارة والاقتصاد.
ثالثا، أكدت نتائج هذه الانتخابات أن منهج الاعتدال والمرونة والوفاء للمؤسسات، المقرون بخطاب الصدق والشفافية وقول الحقيقة للمواطنين، وبالعمل الدؤوب في الميدان، مع التزام النزاهة وعدم الترامي على المال العام، هي شروط ضرورية لمصالحة المواطن مع السياسة، وإعادة الثقة للمغاربة في المؤسسات.
رابعا، أكدت هذه النتائج أن الأحزاب التي تساهلت مع مشروع التحكم، خوفا أو طمعا، عاقبها الناخب المغربي بقسوة، تعبيرا منه عن أن الديمقراطية المغربية تحتاج إلى أحزاب حقيقية مستقلة في قراراتها، مناهضة للظلم والفساد في اختياراتها.
أخيرا، لا بد من التعليق على عدد المقاعد المفاجئ الذي حققه حزب الأصالة والمعاصرة بشكل مختلف عن حقيقته السياسية في الميدان، وهو ما يحتاج إلى تحليل مستقل بعد استكمال المعطيات المرتبطة بالتجاوزات التي سجلت في عدد من مكاتب التصويت.