مجزرة رابعة… حتى لا ننسى

مجزرة رابعة… حتى لا ننسى

المغرب اليوم -

مجزرة رابعة… حتى لا ننسى

عبد العلي حامي الدين

سيظل التاريخ يذكر كيف جرى تنظيم انقلاب عسكري في مصر بغطاء دولي وبدعم من أنظمة عربية للإطاحة بأول رئيس منتخب بطريقة ديموقراطية جاء في أعقاب ثورة شعبية أسقطت نظام حسني مبارك.وسيذكر التاريخ أنه في يوم 14 غشت 2013 قامت قوات الشرطة والجيش بالتحرك لفض اعتصامات المعارضين لانقلاب 3 يوليو 2013 في ميدان رابعة العدوية في القاهرة وميدان النهضة بالجيزة.
تقارير وزارة الصحة المصرية اعترفت بمقتل 578 شخصا وإصابة نحو 4200، بينما أعلن المعتصمون أن الرقم الحقيقي يتجاوز 2000 قتيل وآلاف الجرحى.

في مثل هذا اليوم من السنة الماضية، وبعد اعتصام نظمه أنصار الرئيس مرسي دام 45 يوما، وفي الساعة السادسة والنصف من صباح يوم أمس الأول الأربعاء بدأ تحرك قوات من الشرطة تجاه المعتصمين في ميداني رابعة العدوية بالقاهرة وميدان نهضة مصر بالجيزة وأغلقت الطرق المؤدية إليهما، معززة بعشرات الجرافات لإزالة الحواجز التي وضعها المعتصمون.

قبل تنفيذ التدخل أطلقت الشرطة كميات كبيرة من القنابل المسيلة للدموع على الجموع التي كانت تعتصم هناك بنسائها وأطفالها وشرعت في إزالة الخيام واللافتات المؤيدة للرئيس مرسي بواسطة الجرافات التي لم تتوان في جرف القتلى الذين قضوا باستعمال الرصاص الحي..

الرئيس المؤقت آنذاك لم يكن سوى محمد البرادعي والذي كان مؤيدا للانقلاب في البداية، لكنه لم يستطع تحمل تكلفة الانقلاب، واتخذ قرارا بتقديم استقالته قائلا: «لقد أصبح من الصعب علي أن أستمر في حمل مسؤولية قرارات لا أتفق معها وأخشى عواقبها، ولا أستطيع تحمل مسؤولية قطرة واحدة من الدماء أمام الله ثم أمام ضميري ومواطأما المنظمات الحقوقية الدولية ومنها منظمة هيومن رايتس ووتش فقد وصفت هذه المجزرة بأكبر عملية قتل جماعي عرفتها مصر في تاريخها..
ردود فعل الدول والمنظمات الدولية جاءت منددة بما حصل، مع اختلاف في العبارات الدبلوماسية التي تخفي نفاق العديد من الدول التي تعلن ظاهريا رفضها لما حصل لكنها تؤيده في الواقع، وتبحث له عن الشرعية وراء غطاء «مكافحة الإرهاب».

وقد حاولت الأمم المتحدة أن تترجم موقفا رافضا لهذا العمل الإجرامي عندما أدان الأمين العام للأمم المتحدة استخدام العنف ضد المتظاهرين، وقال المتحدث باسم بان كي مون: « إن الأمين العام يدين بأشد التعابير حزما أعمال العنف التي وقعت في القاهرة عندما استخدمت قوات الأمن المصرية القوة ضد المتظاهرين»، كما عقد مجلس الأمن جلسة مغلقة حول الأحداث، طلبت عقدها كل من بريطانيا وفرنسا وأستراليا، وخلص في النهاية إلى أنه من المهم إنهاء العنف في مصر وأن تمارس الأطراف أقصى درجات ضبط النفس»!

هذه المجزرة استفزت مشاعر العديدين من الفعاليات الشعبية في دول عربية وإسلامية وأخرى من أوروبا وأمريكا، وخرجت للتنديد والاحتجاج والمطالبة بالقصاص من الذين ارتكبوا هذه الجريمة النكراء.

الآن ما هي الصورة بالضبط في مصر؟

عمليا، استتب الأمر للسلطات التي أطاحت بالرئيس المنتخب محمد مرسي، واعتقلت الآلاف من أنصاره بالإضافة إلى القيادات السياسية الأساسية الرافضة للانقلاب، وباتت تفرض سيطرتها على المشهد عن طريق انتخابات صورية تخفي منطق الغلبة والإكراه، وعن طريق دستور يعبر عن الطرف المهيمن، مع الاستعانة بطبقة من رجال الدين وبطبقة سياسية لم تعد تؤمن بإمكانية التعايش مع نتائج الديموقراطية حينما تفرز انتصار الإسلاميين، وانتقلت لتبني المقاربة الاستئصالية في حق أكبر جماعة سياسية منظمة في مصر وهي جماعة الإخوان المسلمين.

ما بعد مجزرة رابعة كان حافلا بالعديد من القرارات الخطيرة ، فقد اتخذت سلطات الانقلاب قرارا باعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، بعد ذلك توالت مجموعة من القرارات السياسية والأمنية التي أخذت صبغة إدارية أو قضائية مثل قرار المحكمة الإدارية القاضي بحل جماعة الإخوان المسلمين ومصادرة أموالها المنقولة وغير المنقولة في شتنبر 2013، وإصدار مجموعة من الأحكام القضائية ضد مئات الطلبة والقاصرين والنشطاء الذين كانوا وراء ثورة 25 يناير مثل حركة 6 أبريل، بالإضافة إلى فصل القضاة المتمردين على سلطة الانقلاب، وإصدار قانون التظاهر عام 2013 للإجهاز على الحق في التظاهر وإضفاء الشرعية على القتل والقمع الذي يستهدف المتظاهرين.

القنوات الإعلامية المدعومة من قبل السلطات الانقلابية تساهم في المزيد من تأجيج الاحتقان الشعبي المتنامي، وتحاول جاهدة تصوير جميع الاحتجاجات والمظاهرات الرافضة للانقلاب على أنها تمثل تهديدا لأمن الدولة واستقرارها، مع ترويج العديد من الخطابات التي تقطر حقدا وكراهية ضد المتظاهرين ناعتة إياهم بأقبح النعوت ومطالبة السلطات الأمنية والعسكرية باتخاذ خطوات أكثر استئصالا من قبيل الدعوة إلى إسقاط الجنسية المصرية عن المتظاهرين أو المطالبة بتجريم حمل شعارات رابعة، وهو ما تجاوبت معه السلطات الأمنية بسرعة وشرعت بالفعل في ملاحقة ومتابعة كل من يحمل رموز الثورة وشعارات رابعة حتى من الأطفال والتلاميذ..

الانقلابيون يسعون لبناء شرعية جديدة قائمة على أطروحة استئصال الإخوان باعتبارهم «جماعة إرهابية»، وهو الإسم الحركي لاستئصال ثورة 25 يناير والإجهاز على مكتسباتها..وترهيب كل من يسعى للتظاهر ضد الانقلاب بحجة التحالف مع الإرهاب..نفس الخطاب الإعلامي يروج اليوم لمطالبة العدو الصهيوني بتفكيك «بؤر الإرهاب في غزة»!

تكلفة الانقلاب كانت باهظة من الناحية السياسية، فقد أصبحت مواقف الطرف المصري متماهية مع المواقف الإسرائيلية، وظهر بأن هناك تطابقا في الموقف من العدوان الإسرائيلي على غزة. هذه المواقف شجعت القادة الإسرائيليين للدفاع عن فكرة «التحالف العربي ـ الإسرائيلي ضد الإرهاب»، وهي فكرة ستساهم في تعميق أزمة النظام المصري وبعض الأنظمة العربية الأخرى تجاه شعوبها، ذلك أن الفكرة على سخافتها تبدو مغرية بالنسبة للبعض لمواجهة مطالب التحرر من الفساد والاستبداد بسيف محاربة الإرهاب..

المفارقة التي لا تنتبه إليها الكثير من الأنظمة العربية، هي إن إسرائيل رغم عدوانية حربها ضد المقاومة في غزة ورغم همجية قصفها العشوائي للبنيات التحتية وللمنشآت المدنية وللمدارس والمستشفيات، فإنها لم تتورط في وصف الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني بالإرهاب، ولم تستغل ورقة الإرهاب لمواجهة معارضيها في الداخل من العرب واليهود على السواء..إن إسرائيل تحاول أن تتصرف كدولة ديموقراطية تجاه مواطنيها بينما تتصرف كدولة دكتاتورية وعدوانية اتجاه أعدائها..وهو التفوق الذي تسجله إسرائيل على بعض الأنظمة العربية للأسف الشديد..ني، خاصة مع إيماني بأنه كان يمكن تجنب إراقتها».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مجزرة رابعة… حتى لا ننسى مجزرة رابعة… حتى لا ننسى



GMT 19:34 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 19:31 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 19:28 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 19:22 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 19:19 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 19:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 19:14 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

GMT 18:02 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 08:18 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج القوس الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 17:18 2022 الأربعاء ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

« بكتيريا متطرفة » لإزالة التلوث النفطيِ

GMT 23:41 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

هامبورغ أكثر الأماكن المذهلة لقضاء شهر العسل

GMT 14:14 2017 الإثنين ,05 حزيران / يونيو

اتحاد طنجة يخطط لضم نعمان أعراب من شباب خنيفرة

GMT 16:18 2024 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

الإتحاد الأوروبي يطلّق تحقيقاً مع تيك توك ويوتيوب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib