الرئيس الصيني يتجاهل بايدن ويتَصرّف كزعيمٍ عالميّ في خِطابه بقمّة دافوس

الرئيس الصيني يتجاهل بايدن ويتَصرّف كزعيمٍ عالميّ في خِطابه بقمّة دافوس

المغرب اليوم -

الرئيس الصيني يتجاهل بايدن ويتَصرّف كزعيمٍ عالميّ في خِطابه بقمّة دافوس

عبد الباري عطوان
عبد الباري عطوان

بعد انتهاء مهرجانات التّنصيب في البيت الأبيض ونجاح 25 ألف جُنديًّا مُدجّجين بالسّلاح في حمايتها، بعد تحويل واشنطن إلى ثكنةٍ عسكريّةٍ، وانكِماش التّهديد الإرهابي العُنصري “مُؤقَّتًا”، يُمكن القول إنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن يُواجِه حاليًّا ثلاث مَهمّات رئيسيّة:

الأولى: “ترميم” الوضع الداخلي الأمريكي وإعادة الثّقة إلى النّظام الديمقراطي، وتجسير هُوّة الانقِسام في المُجتمع الأمريكي، وإيجاد حُلول جذريّة فاعلة لأزمة وباء الكورونا الذي أدّى حاليًّا إلى وفاة 400 ألف أمريكي، وقد يرتفع إلى 500 ألف مع احتِفال الرئيس الجديد بالمِئة يوم الأولى لتولّيه السّلطة، وإنقاذ الاقتصاد الأمريكي ووقف تدهوره، وإيجاد وظائف لأكثر من 60 مِليون عاطل جديد عن العمل على الأقل.

الثّانية: استِعادة أمريكا لهيبتها عالميًّا، وتحالفاتها الدوليّة، وإبطال مفعول الألغام شديدة الانفِجار التي زرعتها إدارة الرئيس ترامب في منطقة الشّرق الأوسط خُصوصًا، ولُغم البرنامج النّووي الإيراني، والفُجور الإسرائيلي في الاستِيطان والضّم، والنّزعة العُنصريّة الفاشيّة الإسرائيليّة المُتفاقمة، وتأمين الحُلفاء المَرعوبين.

الثّالثة: كيفيّة التّعاطي مع التفوّق التّكنولوجي والاقتصادي المُتسارع للصّين، واحتِمال نُشوء تحالف روسي صيني جديد يتوسّع عالميًّا، ويَضُم قِوى إقليميّة في الشّرق الأوسط، وشرق آسيا ووسطها، ودول مركزيّة في أمريكا الجنوبيّة والقارّة الإفريقيّة يُشَكِّل تهديدًا مُباشِرًا للهيمنة الأمريكيّة الغربيّة.
***

لنَدع النّقطتين الأوّلين جانبًا، ولو بشَكلٍ مُؤقّت، ونُرَكِّز على النّقطة الثّالثة الأهم في وجهة نظرنا وهي التي تتعلّق بالمُواجهة الاقتصاديّة والسياسيّة وربّما العسكريّة مع الصين، فقد كان لافتًا في الخِطاب الذي ألقاه الرئيس الصيني تشي جين بينغ في افتتاح مُؤتمر دافوس الاقتصادي العالمي (غاب عنه ترامب وبايدن) لهجة التحدّي للرئيس الصيني الذي تحدّث (افتراضيًّا) كزعيم جديد للعالم، حيث لم يَذكُر الرئيس بايدن بالاسم، وحذّر من حربٍ باردةٍ أمريكيّة صينيّة قال إنّها سَتُلحِق ضررًا بجميع الأطراف.
الزعيم الصيني كان يتحدّث من موقع قوّة، ففي الوقت الذي يتراجع فيه نمو الاقتصاد الأمريكي إلى نسبٍ مُتدنّيةٍ تقترب من الصّفر بسبب أزمة الكورونا، تُسَجّل الصين نموًّا بمُعدّل يَصِل إلى 2.3 بالمِئة عام 2020 المُنصَرِم، ومُرشّحة للارتِفاع هذا العام، وأصبحت الصين الوجهة العالميّة الأكثر جذبًا للاستِثمار الأجنبي في العالم، مُتفوّقةً على الولايات المتحدة، والأخطر من ذلك أنّ هذا التفوّق يمتد حاليًّا إلى براءات الاختِراع، والمجالات العسكريّة التي بدأت القِيادة الصينيّة تُعطيها الأولويّة في الوقتِ الرّاهن، بعد تكريس الأرضيّة الاقتصاديّة القَويّة.
الرئيس ترامب اختار المُواجهة المفتوحة، والهجمات اللفظيّة ضدّ الصين في سنوات ولايته الأربع (على طريقة حُلفائه العرب: أشبعناهم شتمًا وفازوا بالإبل)، وبالغ كثيرًا في فرض العُقوبات، ولكنّ هذه السّياسة أعطت نتائج عكسيّة تمامًا، وردّت عليها القِيادة الصينيّة بالعمل والإنتاج، وتحقيق النّموذج المُتفوّق في القضاء على فيروس كورونا، وتعزيز النّمو الاقتصادي، وطريق الحرير، وتعزيز النّفوذ وزيادة الحُلفاء في العالم.

الأدوات الأمريكيّة في مُواجهة هذا العِملاق الصّيني تبدو قديمة صَدِئَة، وأمريكا تخوض الحرب الباردة الجديدة بالطّريقة نفسها التي خاضت بها الحرب ضِدّ الاتّحاد السوفيتي قبل 50 عامًا وبالنّهج القديم نفسه، وضدّ دولة الصين التي تملك اقتصادًا قويًّا وأسلحةً “سيبرانيّة” مُتطوّرة جدًّا، ولم يَكذِب ترامب كعادته عندما خالف خصمه بايدن، وأكّد أنّ الصين تَقِف خلف الهُجوم السّيبراني الضّخم الذي استهدف أكثر من 30 مُنشأةً أمريكيّةً حسّاسةً، من بينها مُؤسّسات أمنيّة واقتصاديّة حسّاسة جدًّا قبل أقل من شهر إلى جانب 10 مُؤسّسات غربيّة في كندا وأوروبا، وتتوقّع الدّولة الأمريكيّة العميقة هجمات أكبر مُماثلة في المُستقبل، ولا تُخفِي خَشيتها منها.
فيروس الكورونا أدّى إلى فُقدان 255 مِليون وظيفةً في العالم، حسب تقرير لمُنظّمة العمل الدوليّة، النّصيب الأكبر مِنها للولايات المتحدة والعالم الغربيّ، بينما كانت الخسائر الصينيّة في هذا الميدان محدودةً جدًّا، وهذه أحد أبرز سِمات العظَمة والنّفوذ في العالم.
الصين، اتّفقنا معها أو اختلفنا، بدأت تُؤسِّس لزعامتها العالميّة باتّخاذ خطوتين رئيسيّتين، الأولى وضع عملة جديدة تكون بَديلًا للدّولار هي اليوان الذّهبي، والثّانية، تأسيس نظام مالي جديد بالتّعاون مع روسيا يكون بَديلًا أو مُوازيًا للنّظام الأمريكي الأوروبي الذي تبلور بعد الحرب العالميّة الثّانية، وإنهاء هيمنته على مُقدَّرات العالم الاقتصاديّة.
***

لا نَعرِف كيف سيُواجِه الرئيس بايدن هذه التّحدّيات الثّلاث التي بدأنا بذكرها في مُقدّمة هذا المقال، وهو الرئيس الفاقد للكاريزما، ويقترب من الثّمانين من عُمره، فهو مِثل الرّجل الذي يَحمِل ثلاث بطّيخات (رقي أو دلاع) كبيرة جدًّا ويُحاول جاهدًا أن يحفظ توازنه، وألا تقع أيّ مِنها بالتّالي.
المُتحدّثة باسم البيت الأبيض قالت إنّ “مُعَلِّمها” بايدن سيعتمد “خِيار الصّبر” خاصّةً في تعاطيه مع التَّفوُّق الصّيني المُتسارع، ولن يلجأ إلى لغة التّهديدات التي اتّبعها سلفه ترامب، وهذا خِيارٌ يَعكِس عدم وجود استراتيجيّة مدروسة لدى طاقمه، فالتّعاطي مع هذه المِلفّات الخطيرة لا يحتمل التّأجيل، فبايدن ليس “أيّوبًا” والزّمن ليس زمن أيّوب أيضًا، وإنّما زمن تشي جين بينغ الزّعيم الصّيني.. واللُه أعلم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرئيس الصيني يتجاهل بايدن ويتَصرّف كزعيمٍ عالميّ في خِطابه بقمّة دافوس الرئيس الصيني يتجاهل بايدن ويتَصرّف كزعيمٍ عالميّ في خِطابه بقمّة دافوس



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 21:05 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 04:31 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

قلة تناول "أوميغا 3" يؤدي إلى ضعف السلوك الاجتماعي

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

الذهب يلامس قمة جديدة والفضة عند أعلى مستوى في 12 عاما

GMT 06:11 2017 السبت ,17 حزيران / يونيو

تعرف على توقعات أحوال الطقس في طنجة السبت

GMT 15:38 2014 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الحلاوة الطحينية

GMT 06:15 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

شركات الأقمشة تطرح تصميماتها الرائعة من حرير "الدمسق"

GMT 18:40 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

عمرو أديب يستضيف إسلام البحيري بعد العفو الرئاسي عنه

GMT 18:34 2016 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

فلويد مايويذر يقوم بجولة يزور خلالها 8 مدن إنجليزية

GMT 19:41 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

تسرّب الماء الصالح للشرب في مدينة بركان المغربية

GMT 03:47 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

جيهان السادات تنفي تورط مبارك في اغتيال الرئيس الراحل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib