بقلم - عبد الباري عطوان
من المؤلم ان يغيب العرب كليا كدول وجيوش من قائمة القلق الإسرائيلي، وينتقل بعضهم الى معسكر الحلفاء لدولة الاحتلال، التي ينظرون اليها كشريك استراتيجي في منظمة امن إقليمية على غرار حلف الناتو.
فمن يتابع تحركات المسؤولين الإسرائيليين هذه الأيام، ومباحثاتهم مع قادة أجانب، يخرج بإنطباع راسخ بأن ايران واذرعتها العسكرية، وعلى رأسها “حزب الله” هم الخطر الحقيقي الذي يهدد الوجود الإسرائيلي فعليا.
بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي يتواجد حاليا في موسكو للقاء فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، والقضية الأهم التي تحتل جدول اعمال مباحثاته، الوجود الإيراني في سورية، وخطره المستقبلي على امن إسرائيل، وهناك تقارير إسرائيلية تقول انه سيطلب من القيادة الروسية السماح لطائراته باستخدام الأجواء السورية، دون عوائق لضرب قواعد وتجمعات قوات “حزب الله” اللبناني.
اما افيغدور ليبرمان وزير الامن الإسرائيلي، الذي يزور واشنطن هذه الايام، فقد اكد في مؤتمر صحافي عقده قبل لقائه مع نظيره الأمريكي جيمس ماتيس، وزير الدفاع، ان اكثر ما يقلق إسرائيل هو “تهريب أسلحة كاسرة للتوازن الاستراتيجي الى كل من “حزب الله” في لبنان، وحركات المقاومة الإسلامية في قطاع غزة، مثل صواريخ متطورة ودقيقة، وطائرات بدون طيار”، واتهم ايران بالوقوف خلف عمليات التهريب هذه، وكل ما يتبعها من تمويل ونقل للتكنولوجيا.
***
الذكر الوحيد للعرب هذه الأيام بات محصورا في انباء تتكرر بقوة عن وجود مناقشات جدية خلف الكواليس تتحدث عن إقامة تحالف إقليمي يشبه “الناتو”، تقوده أمريكا بمشاركة دول عربية مثل مصر والسعودية والامارات والأردن، وتتمثل فيه إسرائيل بدور “مراقب”، وينحصر دورها المعلن بالتعاون الأمني والاستخباراتي.
وما يرجح وجود نوع من المصداقية لهذه الانباء التي نشرتها صحف أمريكية من بينها صحيفة “وول ستريت جورنال” المقربة من ادارة ترامب، هو عزم هذه الإدارة عقد مؤتمر دولي لمحاربة الإرهاب، وتنظيم “الدولة الإسلامية” على وجه الخصوص، بحضور عربي إسرائيلي مكثف، وكذلك ارسالها، أي إدارة ترامب، حوالي الف جندي إضافي الى سورية للمشاركة في عملية “تحرير” الرقة عاصمة التنظيم، وكذلك تكثيف هجماتها ضد تنظيم “القاعدة” في اليمن.
اللافت ان هذا الحراك بشقيه السياسي والعسكري يتم تحت عنوان محاربة الإرهاب، ولكن هدفه غير المعلن، هو ايران والجماعات التابعة لها في كل من العراق وسورية ولبنان، وسيكون العرب او “محور الاعتدال” خاصة هو “رأس الحربة” والممول الرئيسي لاي تحرك امريكي في سورية والعراق، وربما ايران لاحقا.
السلطات الايرانية تدرك تفاصيل هذه الاستراتيجية الامريكية الإسرائيلية وأهدافها السرية والمعلنة، وهناك مؤشرات بأنها تستعد لها، من بينها تهديدات السيد حسن نصر الله، زعيم حزب الله بقصف مفاعل ديمونة الإسرائيلي في قلب صحراء النقب، وحاويات مادة الايمونيا السامة في محيط مدينة حيفا، وفي الحالين ستكون الخسائر الإسرائيلية المادية والبشرية مرعبة بكل المقاييس، حتى ان المستوطنين في الأخيرة، أي مدينة حيفا، بدأوا تحركا يطالب الحكومة الإسرائيلية بإزالة هذه المستودعات من مدينتهم ونقلها الى مكان آخر.
لا نعتقد ان تصريحات السيد هاشم الموسوي قائد حركة “النجباء”، التي اعلن فيها عن تشكيل فيلق لتحرير هضبة الجولان، يتكون من وحدات قتالية خاصة مزودة بأسلحة استراتيجية، تأتي صدفة في مثل هذا التوقيت، وانما رسالة تهديد “ردعية” موجهة الى الحكومة الإسرائيلية، فهذا الفيلق ينتظر امر الحكومة السورية للتحرك، ولا نستغرب انه موجود على الاراضي السورية فعلا.
***
في الماضي القريب كان القلق الإسرائيلي يأتي من الجيوش السورية والمصرية والعراقية، والاردنية، او ما كان يسمى “دول المواجهة”، ولكن هذا الزمن ولىّ الى غير رجعة، وبات هذا القلق يأتي من ايران وبعض الدول الحليفة لها، وخاصة سورية ولبنان، وبعض العراق.
العرب، او بعضهم، لم يعودوا يعتبرون إسرائيل عدوا لهم، وانما العدو هو من تعاديه إسرائيل، وتشعر انه مصدر قلق لامنها واستقرارها، ومخططاتها التوسعية والعدوانية على حساب الامة العربية والشعب الفلسطيني.