واقعية إسلاميي المغرب

واقعية إسلاميي المغرب

المغرب اليوم -

واقعية إسلاميي المغرب

محمد الأشهب

أدرك رئيس الحكومة المغربية زعيم «العدالة والتنمية» عبد الإله بن كيران بقوة المراس من موقع السلطة، أن حزبه اجتاز العاصفة، لأنه ابتعد كثيراً عن تيارات مثيلة، لم تقدر على التكيف مع المستجدات. لذلك صارح مناصريه بأن تنظيمه السياسي لا يعدو أن يكون واحداً من بين أحزاب أخرى، لا يسعى الى فرض إيديولوجية أو اختيار، بقدر ما يتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام في نطاق مفهوم التداول على السلطة لمن يكون جديراً بالفوز بها عبر منافسات ديموقراطية.
إلى ما قبل عام، لم يكن وارداً تصور فك ارتباطات الحركات الإسلامية التي اعتلت واجهة الحكم مع بعضها. كان الانتشاء بتداعيات الربيع العربي يشدها مثل البنيان المرصوص، لا تطلب سوى المزيد من مراكز النفوذ. غير أن الانتكاسة التي بدأت في مصر وانتشرت إلى حد ما إلى تونس، وشجعت التنظيمات المتطرفة في مساحة واسعة من ليبيا والعراق وسورية، أحدثت رجة كبيرة لم يكن متوقعاً أن تتدحرج بهذه الدرجة.
أقرب الرسائل التي استوعبها رئيس الحكومة المغربية أنه كلما اتجه نحو التطبيع السياسي الذي يقبل بالتعددية الواسعة، أبعد الشكوك حول مرجعية الاستئثار التي أدت إلى انهيار تجارب سياسية، كما حدث في مصر. وكلما تصرف كحزب سياسي متحرر من قيود فرض رأيه وأسلوبه على خصومه، أمكنه تغيير موازين القوى لفائدته. أقله على صعيد تبديد المخاوف التي نشأت بخلفية اهتزاز الأرض تحت أقدام الحركات الإسلامية. فلم يطل الانتظار حتى أعلن بن كيران بوضوح أن مسألة الشرعية سابقة على أي «انقلاب» على السلطة. ولمّح بالنسبة الى تجربة حكم «الإخوان المسلمين» في مصر إلى أن البحث عن شرعية جديدة منذ إسقاط نظام الملك فاروق تسبب في استخدام القوة بين فينة وأخرى.
إذا كانت إشارته لا تخلو من إيحاءات حول تعرض إحدى أبرز الحركات الإسلامية في العالم العربي لموجة القمع والإقصاء، فإنها في الوقت ذاته تحذر من اللجوء إلى الأسلوب نفسه. وقال في هذا الصدد إن منشأه الفكري والسياسي رسخ لديه الاعتقاد بأن مصير بعض الحركات الإسلامية كان موزعاً بين الانعزال أو الاندثار. غير أن مراجعات نقدية مارسها ورفاقه في التنظيم أدت إلى ترجيح خيار المشاركة والاندماج، مع الاحتفاظ بالثوابت السياسية.
لعل الإيحاء هنا ينصرف إلى تجربة «العدالة والتنمية» التي تدرجت من أقل من 15 نائباً في اشتراعيات العام 1997 إلى ما يزيد على مئة في الاقتراع السابق لأوانه عام 2011، حيث احتل مركز الصدارة. ويبدو أنه في طريقه لتأمين حضور وازن في انتخابات البلديات في الشهر المقبل، بعد أن لجأ إلى خفض أعداد مرشحيه، درءاً لأي توتر سياسي، محتمل أو مستبعد.
المعطيات على أرض الواقع تؤكد أن إسلاميي المغرب بادروا إلى استقراء تطورات الأحداث، قبل أن يصبحوا في عين العاصفة، وانتقل خطابهم السياسي من مركزية قيادة الحكومة والتجربة السياسية إلى الانفتاح أكثر على شركائهم في الائتلاف الحكومي، إلى الحد الذي جعل عبد الإله بن كيران يقر في أكثر من مناسبة أنه يرجح مواقف أولئك الشركاء على حساب حزبه، ما يؤكد فرضية أن التجربة السياسية التي يقودها حزب «العدالة والتنمية» المغربي لم تتعرض للانهيار، بسبب أن مكونات المشهد السياسي، وفي مقدمها المعارضة، التزمت بدورها بالتقيد بأجندة الولاية الحالية للسلطة التنفيذية، بل إن انسحاب حزب الاستقلال أكبر حليف للائتلاف الراهن، لم يؤثر في استكمال النصاب القانوني للغالبية النيابية. وبالقدر الذي ألغى الحزب الإسلامي تحفظاته على خصوم سابقين، أسعفه هذا الانفتاح في تأمين غالبية مريحة، لم يكن يفصلها عن الانهيار إلا خطوات قليلة. وبينما ذهب الصراع بين المعارضة والغالبية إلى حد ممارسة الرقابة لإطاحة حكومات سابقة، في مناسبتين على الأقل، لم تعرف الحكومة الحالية تصعيداً بهذا المعنى. ويبدو الأمر كما لو أن هناك اتفاقاً مبدئياً على ترك السلطة التنفيذية تستنفد ولايتها كاملة. ففي أقل تقدير، لم ترغب النخب السياسية في تكرار تجارب الإطاحة بحكم الإسلاميين، تاركة ذلك لصناديق الاقتراع في حال استقرت عند التصويت العقابي، أو استمرت في دعم الفريق الحاكم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واقعية إسلاميي المغرب واقعية إسلاميي المغرب



GMT 06:10 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الجزائري خارج الجزائر

GMT 06:07 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الجديد... أي أميركا ننتظر؟

GMT 05:06 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

نصيحة السيستاني الذهبية

GMT 05:04 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب غزة في حفرة الأرنب

GMT 05:01 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

خنادق الآيديولوجيا وأقفاصها

GMT 04:35 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تتهدّد الحربُ الأهليّة لبنان؟

GMT 04:33 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

منطقتنا واليوم التالي

GMT 04:30 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب الساعات الأربع!

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 08:38 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها
المغرب اليوم - ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها

GMT 20:04 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وليد الركراكي يكشف مصير حكيم زياش مع المنتخب المغربي

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس الفرنسي وزوجته يزُوران ضريح الملك محمد الخامس

GMT 03:51 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

الكعبي يطارد هداف الدوري اليوناني

GMT 06:49 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي علي نصائح مهمة لتنظيف خزانات المطبخ من الدهون

GMT 20:26 2018 السبت ,05 أيار / مايو

9 أشياء تكرهها حواء في مظهر آدم

GMT 00:06 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

سيمونا هاليب تتصدّر التصنيف العالمي للاعبات التنس

GMT 08:44 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

النجمة لطيفة تعلن أنّ ألبومها الأخير حقّق مبيعات كبيرة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib