صيغة وفاقية

صيغة وفاقية

المغرب اليوم -

صيغة وفاقية

محمد الأشهب

بعيداً من الطابع الإجرائي لنزاع الاختصاص، بين رئيس الحكومة المغربية عبد الاله بن كيران ووزير الزراعة عزيز أخنوش، حول تدبير موارد مالية للنهوض بالأرياف، نرى المواجهة في طريقها لأن ترتدي بعداً سياسياً يهدّد الائتلاف الحكومي الراهن. ومع أن التهديد باستقالة وزير أو دخولها حيّز التنفيذ لا يغيّر شيئاً في التوازن الحزبي القائم، فإنها المرة الأولى التي تطرح إشكالات الاختصاص في قضية لها حساسية خاصة.
رئيس الحكومة يعتبر الأمر تجاوزاً لصلاحيات صريحة عهد بها الدستور إلى مايسترو السلطة التنفيذية، ووزير الزراعة يرى أنه أخبره بذلك قبل تصديق الحكومة على مشروع الموازنة المالية للعام المقبل. ولم يبق أمام الطرفين أي وسيلة لتجاوز الأزمة غير إقرار تعديل في مسودة الموازنة المعروضة على البرلمان. لكن انتصار أي من الطرفين هزيمة للآخر، ومن غير الوارد استيعاب ضربة بهذه الدلالة على مشارف أقل من عام لخوض الانتخابات الاشتراعية.

منطقيا يحسب الوزير أخنوش على فئة تقنوقراطيي الحكومة، فيما وزير المال محمد بوسعيد الذي أبدى دعماً لنظيره في الزراعة ينتسب إلى تجمع الأحرار الذي كان عزيز أخنوش منتمياً إليه. وفي حال نشوء خلافات بين مكونات الغالبية النيابية، يمكن لزمام السيطرة على توازن الائتلاف الحكومي أن ينهار. بخاصة أن مداد الانتقادات المتبادلة على خلفية انتخابات البلديات والجهات ومجلس المستشارين لم ينشف بعد.

أعمق من شكليات تدبير القطاعات الحكومية التي دأب رئيس الحكومة على تفويضها للوزراء والمندوبين والمديرين الرفيعي المستوى، أن الأمر يتعلق بخلاف يطاول رهاناً اقتصادياً واجتماعياً يخص عالم الأرياف. ولئن أقرّت المراجع الرسمية العليا بأن ما يقارب ثلث سكان المغرب الذين يعانون الهشاشة والحرمان وشظف العيش يوجدون في الأرياف، ما حتم إقرار خطة طموحة لمعالجة أوضاعهم، فإن الجدل السياسي بين الفرقاء الحزبيين استقر هذه المرة عند اقتسام النفوذ بين الحاضرة والبادية.
بصيغة أخرى، فإن إحداث صندوق للتنمية الريفية بموازنة مهمة، إن كان يندرج في صلب التدبير الحكومي العادي لمواجهة إشكالات مختلفة، فإن استخدام المشروع كورقة في اشتراعيات العام المقبل ليس مستبعداً. ولعل أكثر ما يخشاه رئيس الحكومة وحزبه «العدالة والتنمية» أن يتم استغلال المشروع بخلفية حزبية، والحال أن خصومه أيضاً لا يستبعدون أطراف المعادلة ذاتها التي فرضت نفسها.

تغيّرت معالم التوازن بين الغالبية والمعارضة بعد الانتخابات المحلية، وبدا أن ميل حزبَي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي إلى نوع من التفاهم مع الحزب الإسلامي الذي يقود الحكومة أضعف شركاءه في الائتلاف الحكومي، بخاصة تجمع الأحرار والحركة الشعبية اللذين انعطفا في اتجاه دعم مرشح «الأصالة والمعاصرة» لرئاسة مجلس المستشارين، على رغم أنه محسوب على صف المعارضة. لكن اختبار المواقف عند درس مشروع الموازنة المالية سيكون حاسماً.

إن مضى الاستقلال والاتحاد الاشتراكي قدماً على طريق دعم العدالة والتنمية، سيكون الأمر أشبه بقطيعة نهائية مع الأصالة والمعاصرة الذي يتوق لاحتلال مكانة مريحة في الاشتراعيات المقبلة، وإن أبقيا على مسافة أبعد حيال حزب رئيس الحكومة فإنهما سيعاودان إنتاج طبعة انتخابية أثرت في مواقعهما، عندما ذهبا إلى حد التشكيك في ما شابها من «اختلالات». وفي الوقت الذي بدا عبد الاله بن كيران أكثر تحرراً من ضغوط حليفيه تجمع الأحرار والحركة الشعبية، فإنه يلقي نظرته بعيداً على ما سيصدر عن الاستقلال والاتحاد في معركة كسر العظم التي تدور رحاها بدرجة عالية من التشنج واحتساب الهفوات.

أقرب إلى منطق الاستمرارية أن يبتلع شركاء «العدالة والتنمية» في الائتلاف الحكومي الغصّة المريرة، أو يبحثا في صيغة وفاقية لتمرير مشروع الموازنة المالية، من دون التوقف عند إشكالات تدبير صندوق التنمية الريفية. كل الاحتمالات واردة، لكن وضع الغالبية الحكومية كما المعارضة لم يعد بالزخم نفسه الذي كان سائداً قبل انتخابات البلديات، وبالأحرى عند محطة الاشتراعيات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صيغة وفاقية صيغة وفاقية



GMT 06:10 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الجزائري خارج الجزائر

GMT 06:07 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الجديد... أي أميركا ننتظر؟

GMT 05:06 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

نصيحة السيستاني الذهبية

GMT 05:04 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب غزة في حفرة الأرنب

GMT 05:01 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

خنادق الآيديولوجيا وأقفاصها

GMT 04:35 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تتهدّد الحربُ الأهليّة لبنان؟

GMT 04:33 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

منطقتنا واليوم التالي

GMT 04:30 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب الساعات الأربع!

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 08:38 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها
المغرب اليوم - ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها

GMT 20:04 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وليد الركراكي يكشف مصير حكيم زياش مع المنتخب المغربي

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس الفرنسي وزوجته يزُوران ضريح الملك محمد الخامس

GMT 03:51 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

الكعبي يطارد هداف الدوري اليوناني

GMT 06:49 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي علي نصائح مهمة لتنظيف خزانات المطبخ من الدهون

GMT 20:26 2018 السبت ,05 أيار / مايو

9 أشياء تكرهها حواء في مظهر آدم

GMT 00:06 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

سيمونا هاليب تتصدّر التصنيف العالمي للاعبات التنس

GMT 08:44 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

النجمة لطيفة تعلن أنّ ألبومها الأخير حقّق مبيعات كبيرة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib