محمد الأشهب
ما مدعاة زيارة الموفد الدولي كريستوفر روس إلى المنطقة؟ مواقف الأطراف المعنية بنزاع الصحراء زادت تباعداً، والوضع الإقليمي يشير إلى تراجع الاهتمام بالملف، في مقابل التركيز على تداعيات الأزمة الليبية وتنامي التهديدات الإرهابية، فيما التعاطي الدولي على صعيد مجلس الأمن أضحى روتينياً، أقصى ما يقرره التمديد لولاية بعثة «المينورسو» وحض الأطراف على استئناف المفاوضات العالقة.
في ظرف وجيز زار روس منطقة النزاع مرات عدة. وقد يكون هذه المرة في وارد تجميع شتات الصورة لإعداد تقريره السنوي إلى مجلس الأمن في نهاية أبريل (نيسان) المقبل. وفي أقرب الاحتمالات تمتزج الآراء إزاء الجولة المرتقبة للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون التي ستكون الأولى والأخيرة. ما يحيل على زيارة مماثلة قام بها سلفه كوفي أنان، يوم كان يعول على تنفيذ خطة التسوية التي اصطدمت بأبواب مغلقة، من بينها مسالك المجتمع الدولي الذي رأى أن في الإمكان استبدال خيار استفتاء تقرير المصير بصيغ عدة، ليس الحكم الذاتي بعيداً عنها.
تتمسك الرباط بخطة الحكم الذاتي التي تعتبرها آخر نقطة في أي تنازلات محتملة، طالما أنها تنحو في اتجاه الحل الثالث البديل الذي يمنح سكان المحافظات الصحراوية صلاحيات واسعة في تدبير الشؤون المحلية، باستثناء ما يتعلق بالدفاع والديبلوماسية ووحدة التشريع القضائي كرموز للسيادة. بينما تدعو جبهة بوليساريو إلى العودة إلى خيار الاستفتاء. وما بين هذا التباعد يبدو الطرفان الآخران الجزائر وموريتانيا أكثر تأثراً بأصل المشكل ومسار أي تسوية.
وإذا كانت مشاركتهما في المفاوضات السابقة اقتصرت على حضور الجلسات الافتتاحية، فإنهما على أرض الواقع غارقان في رمال النزاع الملتهبة، أقله أن الجزائر تؤوي مخيمات بوليساريو، فيما موريتانيا تستضيف أعداداً من السكان المتحدرين من أصول صحراوية، مع فارق في استخدام الملف في هذا الاتجاه أو ذاك.
في المحصلة إن انفراج الأجواء بين الرباط والجزائر، كان ينعكس إيجاباً على العلاقات الثنائية والإقليمية. فقد أسفر عن إبرام معاهدة الاتحاد المغاربي، على رغم أن نزاع الصحراء كان قائماً. لكن الأجواء عندما تتوتر بينهما تتطاير شظايا على مجمل دول الشمال الإفريقي. ولعل الخطوة الأهم التي لم يقدما عليها بجرأة، تكمن في تجريب حل مشكل الصحراء.
يدرك الموفد الدولي كريستوفر روس مدى الحساسيات القائمة عند طرح قضية الصحراء في الرباط أو الجزائر. ما جعله يبدأ جولته هذه المرة من نواكشوط، كونها أكثر قابلية للحديث مع كل الأطراف، بخاصة أن وجود منتمين إلى بوليساريو على أراضيها لا يطرح إشكالات في علاقاتها مع المغرب. وصادف في الفترة الأخيرة أن نواكشوط كانت مقيدة بالتزامات لدى رئاستها الاتحاد الإفريقي. أما اليوم فهي أكثر تحرراً. وقد تكون من خلال إبداء استعدادها لاستضافة القمة العربية التي اعتذرت الرباط عن احتضانها، ترغب في الاضطلاع بدور أكبر.
ليس في الأمر أي مفاجأة. فالطريق السالكة بين الرباط ونواكشوط مصدرها أن حدود البلدين مفتوحة على بعضها، وكان المغرب ولا يزال يرفض أي حاجز ثالث بينه وموريتانيا، غير أن الحواجز مع الجزائر زادت تراكماً من تيندوف جنوباً إلى وجدة شمالاً.