القلق من الشباب العربي وعليه

القلق من الشباب العربي... وعليه

المغرب اليوم -

القلق من الشباب العربي وعليه

محمد الأشهب

تبدو الندوة الدولية للشباب الإسلامي في مراكش عبر توقيتها ومحاورها، بمثابة انتقال إلى السرعة القصوى في مواجهة عدوى التطرف والإرهاب واستشراء الغلو والانغلاق، إذ تأتي امتداداً لدعم مقاربات أمنية وفكرية وسياسية وروحية، هيمن عليها المد التصاعدي للظاهرة الإرهابية، لأن هناك ارتباطاً عضوياً بين الفعل والفاعل في كل الممارسات. فقد استوت التنظيمات الإرهابية بقدراتها على استقطاب الشباب، قبل أن ينتبه العالم إلى أن اجتثاث الظاهرة يبدأ أيضاً من تجفيف منابع استقطاب المتطوعين الشباب، من العالم العربي وغيره.

ما بين المقاربات الأمنية والاقتصادية والفكرية التي نحت في اتجاه تصنيف تنظيمات بعينها، وتطويق أشكال الدعم المالي واللوجستي، برزت قضية العنصر البشري، باعتباره أداة تنفيذ المخططات الإرهابية، أقله أن موجة الاستقطاب إلى صفوف المقاتلين في بؤر التوتر تركز على فئات الشباب والشرائح القابلة للتأثر بالخطابات الراديكالية، ما يطرح تحديات عنيدة على المجالات المفتوحة لحرب متعددة الأشكال والوجوه والأدوات.

بعد أن كان العالم العربي يعتبر نفسه محظوظاً بتركيبة سكانية تميل إلى الشباب وحيوية المجتمعات، على عكس القارات والبلدان التي توصف بنوع من الشيخوخة، باتت هذه الميزة مدعاة للقلق، في محورها الذي يطاول اندفاع الشباب، ومد نيران الحروب الإرهابية بحطب يانع، لم يعد يقتصر على الرجال فحسب، بل يشمل الشباب والأطفال والقاصرين وحتى النساء اللواتي انجذبن إلى المستنقع المحظور، في غضون اشتغال آلة دعائية، تعتمد سلب الإرادة والتدجين والتطويح بالبشر إلى غياهب القسوة والعنف الأعمى، الذي غذته نزعات تدميرية استحوذت على العقول والمشاعر.

لئن كان الشباب في مقدم من يتأثر بموجات التمرد والثورة على الرتابة والبحث عن الجديد، كما حدث في الانتفاضة الشهيرة في أيار (مايو) 1968 في فرنسا، التي تركت آثارها على أجيال سابقة، واتسمت بالغضب وفورة المفاهيم والقيم والعلاقات الاجتماعية، فإن دور الشباب العربي كان لافتاً في تحريك عجلة التاريخ في سياق ما يعرف بالربيع العربي. حيث اعتلى الجيل الجديد صدارة المشهد ثائراً على مظاهر الاستبداد وغياب العدالة الاجتماعية وعدم إيجاد متنفسات لاستيعاب قدرات الشباب ودمجهم في مشروعات البناء المتكامل.

غير أن خيبة الآمال كانت وراء انحرافات، صادفت سطوة تنظيمات راديكالية تزامنت مع إخفاق الفترات الانتقالية ذات الوعود البراقة إلا في ما ندر. ولا يعني استمرار الاندفاع وأشكال المغامرات التي كانت تتحينها التنظيمات الخارجة عن القانون، سوى أن فئات من الشباب تعرضت إلى الخداع، منها من ترعرع في بيئة حاضنة للتطرف والانفلات، ومنها من تمكنت منه الإغراءات، ومنها من استمالته الظاهرة الإجرامية.

وإذ تركز الندوة الدولية للشباب الإسلامي على تشخيص المقاربات الأكثر موضوعية في دعم الجهود الدولية في الحرب على الإرهاب، وتحديداً من خلال تفعيل دور المؤسسات الرسمية والعلماء وسبل الإدماج العقلاني الذي يحد من تأثير الأفكار والممارسات المتطرفة، فإنها تضع اليد على مفتاح الأسرار الكامنة وراء الاندفاع السلبي نحو أنياب الافتراس.

فالمقاربات الأمنية تنجح في الحد من مخاطر التهديدات المتنامية، لكنها تظل في حاجة إلى تكامل عناصر التعليم والتغذية الروحية وسبل الإفادة من طاقات الشباب وتفجير مواهبهم الفكرية والإبداعية والرياضية الخلاقة وكذا تغيير النموذج الذي يحتذى. إذ يصبح في صورة مقاتل مسلح أو انتحاري ينتظر الانفجار، أو مغامر يستهويه الذهاب إلى حيث تنعدم سلطة الدولة والقانون.

المهمة جسيمة، وأقربها معاودة بناء الثقة في قدرات الأجيال الجديدة، وتجاوز حالات اليأس والإحباط والنفور، من خلال تعزيز قيم المشاركة في التفكير والتدبير. والأهم في تظاهرة فكرية بهذا الحجم، أنها تدفع العلماء والأكاديميين وخبراء التربية وعلم الاجتماع إلى المساهمة بمجهودات موازية في تطويق الظاهرة الإرهابية، كونها تبدأ من العقول قبل الانتقال إلى حيز التنفيذ.

لكن الإشكالات في جوهرها ليست من قبيل صراع الأجيال المستحب في أنواع المنافسات وطاقات الإبداع والابتكار والاندماج في المتغيرات التكنولوجية والسياسية والثقافية، وإنما هي صراع بين الحياة والاستقرار والرخاء والتعايش وبين الموت والعنف والتدمير والانتحار. وما تراكم قيم الحياة إلا المظهر الحضاري لتكريم الإنسان، فيما الإرهاب مدمر للإنسان والعمران والطبيعة والعقل.

"الحياة"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القلق من الشباب العربي وعليه القلق من الشباب العربي وعليه



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:46 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 17:57 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

«حزب الله» يوسع رقعة استهدافات صواريخه إلى تل أبيب
المغرب اليوم - «حزب الله» يوسع رقعة استهدافات صواريخه إلى تل أبيب

GMT 21:05 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 04:31 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

قلة تناول "أوميغا 3" يؤدي إلى ضعف السلوك الاجتماعي

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

الذهب يلامس قمة جديدة والفضة عند أعلى مستوى في 12 عاما

GMT 06:11 2017 السبت ,17 حزيران / يونيو

تعرف على توقعات أحوال الطقس في طنجة السبت

GMT 15:38 2014 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الحلاوة الطحينية

GMT 06:15 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

شركات الأقمشة تطرح تصميماتها الرائعة من حرير "الدمسق"

GMT 18:40 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

عمرو أديب يستضيف إسلام البحيري بعد العفو الرئاسي عنه

GMT 18:34 2016 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

فلويد مايويذر يقوم بجولة يزور خلالها 8 مدن إنجليزية

GMT 19:41 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

تسرّب الماء الصالح للشرب في مدينة بركان المغربية

GMT 03:47 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

جيهان السادات تنفي تورط مبارك في اغتيال الرئيس الراحل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib