الربط القاري ضحية الهجرة

الربط القاري ضحية الهجرة؟

المغرب اليوم -

الربط القاري ضحية الهجرة

محمد الأشهب

في كل قمة مغربية - إسبانية يتذكر البلدان الجاران مشروعاً هائلاً كانا يعولان عليه لإقامة نفق أو جسر معلق فوق البحر يربط بين الضفتين الشمالية والجنوبية للمتوسط، في إطار عملية تصحيح جغرافي لأخطاء تاريخية طاولت فترات الحروب الدينية وأشكال التمدد الاستعماري. ولم يعد البحر وحده يفصل بين بلدان الضفتين، وإنما زادت حدة الفوارق والحساسيات. ولعل المخاوف التي سادت لدى مكونات الشمال الأفريقي حيال الغزو الأجنبي الآتي من البحر، انتقلت عدواها بعد عقود طويلة، واختزلت في مخاوف غربية من تدفق أفواج المهاجرين غير الشرعيين الآتين من خلف البحر.

في القمة التي جمعت رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بن كيران إلى نظيره الإسباني ماريانو راخوي، خلص البيان المشترك إلى البحث في فرص الشراكة المتاحة بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا في مجال «الربط اللوجيستي» الذي يعتقد بأنه حل مكان مشروع «الربط القاري» الذي أقره البلدان وساندته الأمم المتحدة وقطعت الدراسات الاستكشافية والميدانية أشواطاً متقدمة في وضع معالمه الأساسية، من خلال إقامة نفق عبر جبل طارق يضمن تدفق الأشخاص والعربات والبضائع في الاتجاهين.

هل كان الأمر سهواً متعمداً، أم إن معاودة تقليب صفحات مشروع كهذا لا يسعفها التوقيت والأسبقيات، أقله أن محاورة بلدان أوروبا المعنية أساساً بهذه التجربة التي لم تتجاوز حدود التعبير عن النوايا، تبدو مناقضة للسياسة التي تدعو هذه البلدان إلى تنفيذها في التصدي لقوارب الهجرة غير المشروعة. فقد عجزت عن إغلاق المنافذ البحرية المشرّعة، وكيف لها أن تنشئ طريقاً سياراً بمواصفات عصرية يزيد من تدفق زحف الفقراء الباحثين عن ملاذات العمل والاستقرار، فراراً من جحيم الحروب والنزاعات ومظاهر الاقتتال العرقي والطائفي.

من جهة المنطق السياسي لا يساعد التوقيت على إحياء الفكرة، خصوصاً أن طرق التصدي للهجرة تصل إلى بناء الأسوار والحواجز التي تفصل بين العوالم. ولم تعد حراسة الحدود حكراً على قوات الأمن والحرس والجمارك، بل دخلت القوات العسكرية للدلالة على ثقل المسؤوليات وتصاعد حركات النزوح واللجوء الجماعي كإحدى أبرز ظواهر الألفية الثالثة.

غير أن الوجه المضيء في مشروع الربط القاري الذي لا يزال حلماً يراود الأفارقة مثل الأوروبيين الأقل ميلاً إلى سياسة الانعزال، طالما أن القارة الأفريقية ستظل المتنفس الاقتصادي والتجاري للأسواق الأوروبية التي لا تزال تعاني من اختناق الأزمة المالية، أنه ينحو في اتجاه ضبط حركة تنقل الأشخاص والرساميل والسلع بطريقة منظمة، في إمكانها استيعاب ظاهرة الهجرة غير المشروعة، من خلال آليات التقنين والانفتاح وإبرام مزيد من اتفاقات توريد الأيادي العاملة بالأساليب القانونية.

أبعد من ذلك أن الربط القاري يحتم أن تكون له امتدادات على مستوى حركة النقل عبر الطرقات. وكانت ملامح هذا التوجه بدأت بالتفكير في إقامة طريق يمتد من طنجة إلى لاغوس، ويعبر بلدان شمال غربي أفريقيا انطلاقاً من خط يتكامل. والمشروع يكون محوره الدار البيضاء المغربية، ونواذيبو الموريتانية، أي أنه سيصبح عنصراً مساعداً في تغيير البنيات والمرافق ووسائل الخدمات.

ويدرك الأوروبيون أكثر من غيرهم أن نهضتهم ارتكزت على تطوير المواصلات في الدرجة الأولى، فيما الكثير من خلافات الحدود القائمة بين الدول الأفريقية يكون مصدرها البحث عن منافذ توريد الموارد الطبيعية. وفي هذه الحال يمكن الإمساك بالخيط الرفيع الذي يحد من تزايد هذه الخلافات، عندما يصبح مشروع الربط القاري جاهزاً لمصلحة أجيال المستقبل.

سواء تعمد المغاربة والإسبان تجاهل الموضوع أو أرجئ البحث فيه إلى وقت لاحق عندما تسمح الظروف بذلك، فالمسألة تتجاوز طموحات البلدين نحو إقرار منظومة تعاون أوروبي - أفريقي كبير. من جهة لأن القارة الأفريقية أصبحت اليوم تحتل مركز الصدارة في توريد الثروات المعدنية التي تزخر بها، ومن جهة ثانية لأنه تأكد لدى الشركاء الأوروبيين أن لا بديل من الانفتاح على أفريقيا كأقرب مجال حيوي لتطوير الأسواق الناشئة. وإذا كانت الأمم المتحدة تتدخل من أجل حفظ الأمن والسلم والاستقرار، فإن المشروعات الإنتاجية الكبرى من مستوى الربط بين القارتين الأوروبية والأفريقية في إمكانها أن تساعد في تخفيف وطأة الأزمات، وسبق لآلياتها الإنمائية أن باركت المشروع إلا أن التخطيط لتنفيذه توقف أمام الكلفة الباهظة.

لا تقاس كلفة الحروب والخطة الأوروبية التي يتم الإعداد لها من أجل تدمير قوارب الهجرة غير المشروعة وغيرها من المبادرات، بما يتطلب إنجازه مشروع حضاري بهذه الأهمية. إلا أن الانشغال بالمآسي والحروب وتنامي الإرهاب يدفع إلى تراجع الاهتمام بالمشاريع الإنتاجية الكبرى، حيث يكون الموقف نابعاً من الإصرار على وضع الحواجز بين العوالم المتقدمة والصاعدة، ليس عبر توصيفات معايير التنمية والتقدم فقط، بل من خلال الإمعان في استمرار الفوارق التي تختزلها المواصلات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الربط القاري ضحية الهجرة الربط القاري ضحية الهجرة



GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

GMT 13:57 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

نقطة ومن أول السطر.. انتهى مهرجان 45 وبدأ 46!

GMT 13:54 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

ألف سؤال.. وسؤال

GMT 13:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كنز في أسيوط!

GMT 13:51 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الزلزال الأمريكى

GMT 13:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

منال عوض ميخائيل!

GMT 17:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:49 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

المغربية عزيزة جلال تعود للغناء بعد توقف دام 30 عامًا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib