محمد الأشهب
نقطة ضوء إيجابية أقرها اجتماع وزراء خارجية الدول المغاربية، لناحية تفعيل الحوار والتنسيق والمشاورات مع منظمات إقليمية، مثل جامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة العمل الإسلامي، على طريق مواجهة التحديات المشتركة. فقد ظل الحوار بين دول الاتحاد المغاربي مقصوراً على الاتحاد الأوروبي، بحكم الجوار الجغرافي والمعضلات الأمنية التي يوليها الأوروبيون اهتماماً أكبر.
وسيكون الاتجاه نحو التنسيق بين الأمناء العامين لهذه التكتلات الإقليمية بداية مشجعة لإنعاش الآمال التي انبثقت إزاء قيام تعاون استراتيجي، بخاصة بين الاتحاد المغاربي ومجلس التعاون الخليجي الذي أبدى انفتاحاً كبيراً على منطقة الشمال الإفريقي، توجت كخطوة أولى بإبرام اتفاقات شراكة بين المغرب والمنظومة الخليجية، فيما يعوّل الطرفان على أن تشمل باقي العواصم، وإن بدرجة أقل.
غير أن الأوضاع التي تجتازها المنطقة المغاربية لا تساعد في التقدم خطوات إلى الأمام، نظراً لتأثير الأزمة الليبية المتصاعدة، وانكفاء العواصم المغاربية على أجندة داخلية، وتأثير خلافاتها مع بعضها في الحديث بصوت واحد مع نظرائها الخليجيين. ما يحتم إيلاء عناية أكبر لتنقية الأجواء ورأب الصدع بين المحاورين المغاربيين أنفسهم.
إلى وقت سابق، كانت العلاقات الثنائية بين العواصم المغاربية أقرب وسيلة للإبقاء على جذوة المشروع المغاربي الذي تأثر سلباً بتراكم الخلافات المتزايدة. كان يقال بأن البعد الثنائي لهذه العلاقات يمكن أن يعوض جانباً من خسائر الحوار المتعدد الأطراف. غير أن خلافات الجزائر وموريتانيا واستمرار التوتر بين الرباط والجزائر، وسريان مفعول إغلاق الحدود بين الجارين، وتباين وجهات النظر والمواقف في التعاطي مع الأوضاع في منطقة الساحل جنوب الصحراء، كلها عوامل تضعف الحوار الثنائي.
يصعب مع استمرار هكذا تشجنات وتوترات ومشاحنات أن ينتقل الاتحاد المغاربي إلى درجة أكبر من السرعة، وهو لا يكاد يراوح مكانه إقليمياً، بل إن تراكم خلافاته ينسحب سلباً على المواقف حيال أزمات عربية ودولية، ليس أبعدها الوضع المتدهور في سورية وغياب التنسيق في متطلبات الحرب على الإرهاب والتطرف. ولعل استفحال الأزمة الليبية ومحاولات استنساخ التجربة اليمنية لما يعرف بـ «الدولة الإسلامية»، كي تجد لها ملاذا في ليبيا وامتدادت الساحل، دليل كاف على أن البداية يجب أن تنطلق من معاودة ترتيب البيت المغاربي على إيقاع التضامن والانسجام.
في المحصلة الثابتة على الأرض أن الدول المغاربية أخفقت في الاتفاق على موعد ومكان القمة العالقة منذ أكثر من عقدين. ولا يبدو أن اجتماعات مجالس وزراء الخارجية والداخلية ومسؤولي القطاعات الإنتاجية مكنتها من اختراق الحواجز السياسية، بخاصة أن مرجعية القرارات في المنظومة المغاربية تعود إلى مجلس الرئاسة الذي بات مغلقاً، لا يعبّر عن وجوده مرة كل عام، إلا عند حلول ذكرى تأسيس الاتحاد المغاربي، عبر ديبلوماسية التهاني أو إبداء التضامن في حالات الكوارث الطبيعية، بينما الكوارث السياسية والاقتصاية والأمنية تركت جانباً.
لكن التشخيص الموضوعي لواقع الحال المغاربي، لا يتنافى والتطلع إلى إيجاد منافذ جديدة في الانفتاح والحوار مع باقي المنظمات الإقليمية والعوالم المؤثرة. وكي ينطبع هذا الجهد بالفعالية، يفترض أن توازيه مبادرات إقليمية لرأب الصدع والبدء بتسوية جانب من الخلافات العالقة، ذلك أن المنظمات الإقليمية التي أبدت دائماً ترحيبها بأشكال التنسيق والتعاون، تود لو يكون الخطو في هذا الاتجاه جماعياً. وقد جربت مرات عدة الدخول على الخط لحض الشركاء المغاربيين على النزوع إلى الواقعية والعقلانية وترتيب أوضاعهم على مبادئ الوفاق والتضامن والتآزر والتعاون.
لئن كان طرق أبواب هذا التحول ليس يسيراً في المرحلة الراهنة، في ظل الأوضاع الخاصة لبعض الدول المغاربية، فلا أقل من أن يكون التنسيق الكامل في الحرب على الإرهاب والتطرف واستئصال جذور الانفلات الأمني، بداية الطريق، كونه يلتقي في ذلك مع انشغالات باقي المنظمات الإقليمية في العالمين العربي والإسلامي، فقد تمنت عواصم غربية على بلدان الشمال الإفريقي السير في هذا الاتجاه. وربما سيكون للموقف الخليجي والعربي أثر أكبر في الدفع بقاطرة التعاون الأمني إلى الانطلاق، قبل فوات الأوان.