أوروبا والهمّ المغاربي

أوروبا والهمّ المغاربي

المغرب اليوم -

أوروبا والهمّ المغاربي

محمد الأشهب

لم تخفض أزمات بلدان الشمال الأفريقي منسوب الثقة لدى شركائها الأوروبيين، في إمكان معاودة بناء فضاء مغاربي، يكون محاوراً مقبولاً ومتفاعلاً في إطار التقارب بين أوروبا وبلدان المتوسط. ولولا أن الطرف الأوروبي في منظومة 5+5 التي تجمع دول حوض البحر المتوسط شمالاً وجنوباً، ذكّر نظراءه المغاربيين بأهمية هذا الخيار، على مستوى مواجهة التحديات، لما تنبّه المعنيون إلى أنهم في صدد تبديد فرصة تاريخية، لم يعرفوا كيف يصونونها.
صحيح أن الأوروبيين يستحضرون الهاجس المغاربي في ذكرى الأحداث، من قبيل 17 شباط (فبراير) تاريخ إبرام المعاهدة التأسيسية في قمة مراكش، أو من خلال الالتفات إلى بعضهم في العزاء والمواساة ووطأة الكوارث الطبيعية. إلا أن الثابت أن الأمر لا يتجاوز معايدة مشروع يرقد على سرير الإنعاش.
وحين تأتي المبادرة على مستوى الإشعار بأن التطورات العلمية التي ابتكرها الإنسان تقيه أخطار الاستسلام للوهن والألم، وتنسحب في بعدها الاستشرافي على التطورات السياسية والاقتصادية، فالإيحاء الأقرب أن الشركاء الأوروبيين ينظرون إلى البناء المغاربي كمشروع متكامل، كون استقرار المنطقة المغاربية يضمن تدفق المصالح الأوروبية عند أهم مدخل نحو قارة أفريقيا. وبالتالي، انتفت ضرورات سياسات متجاوزة، كانت تعتمد التفرقة والتجزئة وإذكاء الخلافات. ويبقى الإقرار بهذا التطور النوعي فرصة سانحة لمعاودة النظر في معايير العلاقات بين الشمال والجنوب، على صعيد المصالح المتبادلة.

بالوقائع الملموسة، لم يبقَ من الاتحاد المغاربي غير هذه الاجتماعات الدورية المنتظمة التي تعكس حرص الأوروبيين أكثر من المغاربيين. فالقمة التي تعتبر مصدر القرارات توقفت في محطتها الأخيرة قبل أكثر من عقدين، بسبب التأثير السلبي للخلافات السياسية وآليات التنفيذ ومناهج العمل المتمثلة في اللجان التي اهتمت بالملفات والتحديات الاقتصادية والمالية. فيما الأمانة العامة واقعة بين فكي الخلافات، ولا يزيد دورها عن التدبير الروتيني لاتحاد مغاربي يوجد في العقول والقلوب، من دون أي امتداد عملي.

لئن كان المنظور الأوروبي ينطلق من بديهيات أمنية وسياسية واقتصادية، وهو يعاين تدفق أكبر موجة نزوح جماعي من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ففي السوابق أن المقاربة الأمنية لم تكن يوماً بعيدة من الانشغال الأوروبي. وأخفق المغاربيون في استنساخها عبر مفهوم تلازم الأمن والتنمية، ليس على صعيد علاقاتهم بالجار الشمالي فحسب، لكن تحديداً في نطاق العلاقات البينية والمتعددة الأطراف.
إن الخطة التي تبناها الاتحاد الأوروبي، لناحية التصدي لقوارب ومنظمات الإتجار في الهجرة غير الشرعية، لا تنفصل عن نظرته إلى الإمكانات الواعدة التي يحملها المشروع المغاربي، في حال أصبح فضاء مندمجاً للتكامل الاقتصادي والتعاون السياسي. وكما أن من حق الشركاء الأوروبيين تأمين شروط مشجّعة لاستيعاب تحديات الهجرة وتنامي العنف والإرهاب، فمن واجب البلدان المغاربية الانخراط في سياسة بناءة، تضمن استقرارها وتعزز روابط التعاون بين أطرافها.
سواء كانت دعوة الأوروبيين تنطلق من الحرص على تأمين الحدود والمعابر وتطويق مضاعفات تمدد الهجرة والنزوح واللجوء، أو كانت بدافع حماية أسواقهم في المنطقة الجنوبية من أخطار التفكك واللاستقرار عند أقرب نقطة إلى جنوب القارة الأوروبية، فالمشكلة تخص البلدان المغاربية بالدرجة الأولى. فهي التي ترغب في إقامة شراكات سياسية واقتصادية متكافئة مع الاتحاد الأوروبي، وهي التي تتطلع إلى حذو التجربة الأوروبية في الوحدة والتفاهم.

وفي الوقت الذي تزيد خشية الأوروبيين من احتمالات دخول الشمال الأفريقي مناطق الاهتزاز واضطراب الأجواء التي قد تشجع نزوحاً آخر أكثر تدفقاً، لا يبدو أن البلدان المعنية مهتمة باستقراء التطورات المحتملة. فهل يكمن الفارق في الرقعة البحرية التي تفصل بين قارتين، أم في منهجية الاستقراء السياسي التي يسودها التقوقع خارج متطلبات العصر؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوروبا والهمّ المغاربي أوروبا والهمّ المغاربي



GMT 06:10 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الجزائري خارج الجزائر

GMT 06:07 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الجديد... أي أميركا ننتظر؟

GMT 05:06 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

نصيحة السيستاني الذهبية

GMT 05:04 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب غزة في حفرة الأرنب

GMT 05:01 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

خنادق الآيديولوجيا وأقفاصها

GMT 04:35 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تتهدّد الحربُ الأهليّة لبنان؟

GMT 04:33 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

منطقتنا واليوم التالي

GMT 04:30 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب الساعات الأربع!

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 08:38 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها
المغرب اليوم - ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها

GMT 20:04 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وليد الركراكي يكشف مصير حكيم زياش مع المنتخب المغربي

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس الفرنسي وزوجته يزُوران ضريح الملك محمد الخامس

GMT 03:51 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

الكعبي يطارد هداف الدوري اليوناني

GMT 06:49 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي علي نصائح مهمة لتنظيف خزانات المطبخ من الدهون

GMT 20:26 2018 السبت ,05 أيار / مايو

9 أشياء تكرهها حواء في مظهر آدم

GMT 00:06 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

سيمونا هاليب تتصدّر التصنيف العالمي للاعبات التنس

GMT 08:44 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

النجمة لطيفة تعلن أنّ ألبومها الأخير حقّق مبيعات كبيرة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib