«المغامرات» الانتحارية

«المغامرات» الانتحارية

المغرب اليوم -

«المغامرات» الانتحارية

بقلم محمد الأشهب

عندما تلقت السلطات البلجيكية معلومات، على مقدار كبير من الأهمية، تطاول التخطيط لتفجيرات وأعمال إرهابية، وضعت مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسيل ومنشآت مدنية حيوية على رأس أولوياتها، تحركت ببطء وتردد. لكنها أيقنت خطورة ما يدبر ضدها، لدى تفكيك خلية إرهابية في المغرب لها ارتباطات بين «الجماعة الإسلامية المقاتلة» في ماسيك عام 2004.
ما من شك في أن هذه المعطيات حركت المياه الراكدة، أقله أن «الجماعة الإسلامية المقاتلة» التي توفر لها امتدادات في المغرب وليبيا ودول عربية أخرى، شكلت اللبنات الأولى لمسار ما يعرف بـ «الجهاديين» الذين سيتحولون لاحقاً إلى حطب النار في مشروع التمدد الإرهابي لتنظيم «داعش» في سورية والعراق، على خلفية التحاق متطوعين من أفواج المهاجرين العرب إلى أوروبا وكذا المغامرين المتحدرين من أصول أوروبية.
الأهم في سياق تلاحق الأحداث أن تلك الخلية كانت تضم مقاتلين سابقين في أفغانستان، انحصر دورهم في استقطاب المتطوعين إلى معسكرات «القاعدة»، وإجلاء المطلوبين إلى العدالة في ظروف غامضة. واتسعت رقعة الاستقطاب لتشمل تسفير مقاتلين محتملين إلى العراق ومناطق توتر أخرى، وألقى تفكيك خلية مماثلة في المغرب كان أفرادها ينشطون في بلجيكا بظلاله على ما كان يموج في هذا البلد الأوروبي من إرهاصات. وربما بسبب ارتباطات الخلايا الإرهابية تنبه المغرب، مباشرة بعد الهجمات التي كانت باريس مسرحاً لها في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي إلى إثارة انتباه السلطات الفرنسية والبلجيكية إلى تقصي قواعد انطلاق المهاجمين في اتجاه أحياء هامشية في بروكسيل.
بيد أن الجانب المغيب في هذه الوقائع أن آليات التنسيق وتبادل المعلومات والخبرات، لا تكاد تتحرك بوتيرة متسارعة، إلا عند وقوع هجمات إرهابية مزلزلة. لأن تدبير ملفات هكذه يخضع لكثير من الاعتبارات، وإن كانت البلدان الأوروبية أقرت في نهاية المطاف بأن إحكام الرقابة وتشديدها إلى درجة التماس مع مفاهيم الحرية الشخصية، تكون متاعبه أقل من هول الهجمات الوحشية المروعة.
يتبين من رصد هذا المسار أن خطوات التنسيق بين البلدان الأوروبية، مهما ارتدت من أبعاد وإجراءات، لا ينبغي أن تظل محصورة في الفضاء الأوروبي، بل تتعداه إلى تلمس علامات الطريق، من خلال استقراء تجارب دول الجنوب. وإذا كان صحيحاً أن تغلغل المد المتطرف في أوساط المهاجرين المتحدرين من أصول مغاربية وعربية وأخرى آسيوية لا تغفله العين، فالصحيح كذلك أن غالبية المتورطين تنتسب إلى الأجيال الجديدة التي فتحت عيونها على محيط اجتماعي في بلدان الاستضافة التي صارت تحمل جنسياتها. ما يعني أن ثمة اختلالات فكرية واجتماعية تدفع إلى المغامرات الانتحارية.
على أن الأهم في سياق الحرب المتواصلة على الإرهاب أنها ترتدي في غالبية الأحيان طابعاً دفاعياً. أي أن المبادرات الإجرائية والأمنية والفكرية لا تأتي إلا بعد فوات الأوان، ما يدفع إلى طرح السؤال الجوهري حول مدى إدراك الأبعاد الطويلة المدى التي تقف وراء استهداف الأبرياء في بلدان أوروبية. وكيفما كانت الحال، فإن ردود الفعل المرافقة أحداثاً مدانة كهذه، لا يتوازى مفعولها السياسي والحضاري، عندما تكون الضحايا من دول عربية وإسلامية. مع أن الإرهاب يظل واحداً في خلفياته ووحشيته وآلياته.
إن الحديث بصوت واحد يسبق اتخاذ المواقف الموحدة، ويتعين الالتفات إلى أن ضحايا الأعمال الإرهابية في الصف العربي والإسلامي كثيرة. لأن الإرهاب لا يتوقف عند الهجمات الوحشية، بل يشمل تفتيت كيانات الدول وتمزيق نسيجها الوحدوي. وما لم يتم استئصال الظاهرة من جذورها فسيظل العالم عرضة للمزيد من السلوكات السائبة التي يحظرها القانون والأعراف والأديان.
يبدأ التنسيق الأكثر جدوى من اجتثاث المنابع، وهي هنا تبدو أرضية خصبة، عندما تفقد الدول زمام السيطرة على حدودها ومواردها ووحدتها، هذا إن كان بقي شيء من مقومات الدول. كما في حال ليبيا وغيرها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«المغامرات» الانتحارية «المغامرات» الانتحارية



GMT 08:17 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

معنى استعادة سرت من «داعش»

GMT 08:15 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

لغة الإشارات بين المغرب والجزائر

GMT 08:14 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

عن التناوب الحكومي في المغرب

GMT 08:13 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

التحالف الإسلامي ومواجهة «داعش»

GMT 07:17 2016 الثلاثاء ,09 آب / أغسطس

بن كيران والاستحقاق الانتخابي

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 08:38 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها
المغرب اليوم - ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها

GMT 20:04 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وليد الركراكي يكشف مصير حكيم زياش مع المنتخب المغربي

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس الفرنسي وزوجته يزُوران ضريح الملك محمد الخامس

GMT 03:51 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

الكعبي يطارد هداف الدوري اليوناني

GMT 06:49 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي علي نصائح مهمة لتنظيف خزانات المطبخ من الدهون

GMT 20:26 2018 السبت ,05 أيار / مايو

9 أشياء تكرهها حواء في مظهر آدم

GMT 00:06 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

سيمونا هاليب تتصدّر التصنيف العالمي للاعبات التنس

GMT 08:44 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

النجمة لطيفة تعلن أنّ ألبومها الأخير حقّق مبيعات كبيرة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib