محمد الأشهب
، هكذا كتب الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش في إحدى قصائده الخالدة. وهكذا تبدو صورة المشهد المغربي بعد قضية العفو الملكي (خطأ) على البيدوفيل الإسباني «دانيال كالفان» الذي لم يقض من عقوبته السجنية سوى حوالي سنتين من أصل ثلاثين سنة حكم عليه بها بعد إدانته باغتصاب 11 طفلا مغربيا سنة 2011 بمدينة القنيطرة.ففي الوقت الذي استنكر فيه الشعب المغربي قرار العفو الملكي (الخطأ) بتلقائية حركها إحساسه بالإهانة و«الحكرة» والاستصغار، وفي الوقت الذي خرج فيه فايسبوكيون وفبرايريون وإعلاميون ومثقفون من شرفاء هذا الوطن -على قلتهم- للتعبير عن سخطهم وغضبهم إزاء هذا القرار في شكل مظاهرات سلمية واجهتها قوات الأمن المغربي بوحشية وهمجية يندى لها الجبين، فضل عدد من السياسيين والمثقفين والفنانين ورؤساء الجمعيات الحقوقية وفقهاء الدرهم والدينار وأشباههم، (فضلوا) المرابطة في جحورهم والتزام الصمت أملا في مرور العاصفة بسلام، وانتظارا لرد فعل الديوان الملكي، حتى لا يظهروا في صورة المعارضين للقصر، لتسقط بذلك أقنعتهم، وتنكشف عوراتهم، وتنفضح نواياهم، ويتأكد لمن هو بحاجة لتأكيد، أنهم كائنات انتهازية تتحين الفرص للانقضاض على كراسي المسؤولية، كما تبين بما لا يدع مجالا للشك أنهم مجرد «كراكيز» تتحرك بناء على التعليمات، وتتسمر جامدة في مكانها كلما حصحص الحق ودقت ساعة الحقيقة.
سقط القناع عن القناع بنكيران، بعدما تجنب الكلام عن فضيحة العفو عن البيدوفيل الإسباني «دانيال» في مجلسه الحكومي، مفضلا الإعراب عن غضبه وتضامنه مع شرطي أهانته سائقة خالفت قانون السير، دون أن تحركه الإهانة التي تعرض لها الشعب المغربي في عرضه وشرفه وكرامته، ودون أن تهزه مشاهد القمع و الضرب والتنكيل التي تعرض لها المتظاهرون ضد قرار العفو، على أيدي قواته الأمنية.
سقط القناع عن القناع مصطفى الخلفي، الذي طالما شنف أسماعنا بتوضيحاته المملة وتصريحاته الفارغة حول المنجزات الوهمية لحكومة بنكيران المريضة، وفي الوقت الذي احتاجه الشعب لتوضيح ما حدث وشرح ما جرى بخصوص العفو على دانيال، بوصفه وزيرا للاتصال وناطقا رسميا باسم الحكومة، خرج علينا بتصريح غريب قال فيه إنه لا يعلم شيئا عن موضوع شاع خبره وطنيا ودوليا، وفاحت رائحته في كل مكان.
سقط القناع عن القناع مصطفى الرميد، الذي حاول التملص من مسؤوليته بصفته وزيرا للعدل ورئيسا للجنة العفو، عندما صرح كذبا وبهتانا، أن العفو على دانيال يأتي خدمة للمصالح العليا للوطن، لكن بلاغ الديوان الملكي الذي أعقب تصريحه» فرشه أكبر فرشة» عندما تحدث عن «خطأ» شاب مسطرة العفو دون الإشارة لأي اتفاق مصلحي بين المغرب وإسبانيا في هذا الملف.
سقط القناع عن قناع اسمه الأحزاب السياسية التي طالما أتحفتنا بأسطواناتها المشروخة وبياناتها المفضوحة في مواضيع تهم مطامعها السياسية ومزايداتها الرخيصة على بعضها البعض. وفي الوقت الذي احتاجها الشعب لتقف بجانبه وتصدح بكلمات الحق في قضية مست مشاعر المغاربة وكبرياءهم وأصابته في مقتل، دست هذه الأحزاب رؤوسها في الوحل في انتظار مرور الزوبعة، والتزمت الصمت المطبق في انتظار التعليمات، لتخرج بعدها للساحة بالتهليل والتطبيل لما اتخذ ويتخذ من قرارات لا علاقة لها بها.
سقط القناع عن قناع المتاجرين في الدين من أصحاب (قال الله قال الرسول) الذين أغضبتهم جيسي جي بتبانها الشفاف في مهرجان موازين، وآلمتهم لطيفة أحرار بلباسها «الفاجر» في مهرجان مراكش، وآذاهم المختار لغزيوي في أحد تصريحاته عن الحرية الجنسية، دون أن يهزهم العفو عن مجرم فعل ما شاء بمؤخرات أطفال هذا الشعب، ليلتزم بعضهم صمت القبور خوفا وجبنا وتملقا، وليخرج البعض الآخر بتصريحات عابت على شعب أبي خروجه للتظاهر ضد العفو عن مجرم اغتصب براءة هذا الوطن وكبرياءه.
سقط القناع عن القناع نجاة أنوار، رئيسة جمعية «ما تقيش ولدي» ،التي طالما ذرفت دموع التماسيح أسفا على الطفولة المغربية، وأطلقت صرخات كاذبة شفقة على براعم هذا الوطن، ونظمت مسيرات ظاهرها الدفاع عن حقوق فلذات أكبادنا، وباطنها التفاخر أمام زملائها وزميلاتها بالظهور الإعلامي والبريستيج الكلامي، وفي الوقت الذي احتاجها المغاربة لتتظاهر معهم وتنال نصيبها من الركل والرفس في سبيل قضية مشروعة، أغلقت أبواب بيتها وهاتفها في وجه الجميع، والتزمت الصمت على غرار الكثيرين مثلها في انتظار اتضاح الرؤية، خشية المغامرة بشهرتها إن هي اصطفت مع الفئة «الخاسرة» في نظرها.
سقط القناع عن أقنعة كثيرة طالما جثمت على أنفاس المغاربة غصبا وقهرا وظلما، وفي انتظار سقوط المزيد، تحية لشرفاء هذا الوطن رجالا ونساء، صغارا وكبارا، حكاما ومحكومين، مثقفين وأميين، موظفين وعاطلين،… عاش الصدق، دام العز والشرف، ولتذهب الأقنعة وأقنعتها إلى الجحيم.