بقلم محمد الأشهب
في ظرف وجيز انتقلت عدوى الظاهرة الإرهابية في المغرب من الطابع المحلي إلى ما يشبه التدويل، على غرار موجة الاستقطاب التي شجعت انضمام عناصر يتحدرون من جنسيات أجنبية. وبعدما كانت غالبية المتورطين مغاربة خضعوا لاستقطاب أعمى في الولاء لـ «داعش» وامتداداته في بؤر التوتر، برزت معطيات تشير بأصابع الاتهام إلى آخرين من جنسيات أوروبية وأفريقية.
عدا القاسم المشترك الذي يعكس تغلغل الأفكار المتطرفة فوق الحواجز الجغرافية وتضاريس الأجناس، يتبين من إحباط آخر محاولة تورط فيها عنصر تشادي من منطقة الساحل جنوب الصحراء، أن هناك إصراراً على استغلال الفضاء المغربي، أقله لناحية الإفادة من الانفتاح المتمثل في غياب نظام التأشيرة بالنسبة الى مواطنين غربيين وأفارقة. ولا يمكن في هذه الحالة إغفال بعض تداعيات الهجرة غير الشرعية، في ظل التزام المغرب مقاربة دمج المهاجرين.
إذا كان مبعث الانفتاح المغربي يرجع أساساً إلى تحوله من بلد عبور لأفواج المهاجرين الذين تشرئب أعناقهم نحو أوروبا إلى مركز استقرار في أقصى نقطة في الشمال الأفريقي الذي لا تفصله غير بضعة كيلومترات عن الضفة الجنوبية للبلدان الأوروبية، فإن هذا المشروع الطموح يواجه محاذير عدة، ليس أقلها أن التنظيمات الإرهابية سعت باستمرار إلى استخدام الهجرة غير الشرعية كوعاء قابل لتسريب سمومها. ما يبرر صحوة أوروبا والعالم إزاء أخطار الهجرة، إذ تصبح «حصان طروادة». لكن ذلك لا يلغي البواعث الموضوعية لتنامي ظاهرة اللجوء والنزوح فراراً من جرائم القتل والإبادة التي زادت حدتها على قدر اتساع بؤر التوتر والأزمات الإنسانية والسياسية الخانقة.
ليس التعاطي مع حالات فردية منعزلة ينسحب بالضرورة على غيرها من الظواهر. فالهجرة غير الشرعية وتزايد أعداد النازحين واللاجئين إنما يشكلان رد الفعل الطبيعي على غياب الاستقرار وانتفاء شروط الحياة الكريمة في مختلف المناطق التي تعاني من وطأة الصراعات العرقية والحروب الطائفية وآفات الاستبداد والاستعباد.
ولئن كانت البلدان الغربية استفاقت على إيقاع ضربات الإرهاب الأثيمة، وسارعت إلى إقرار المزيد من الإجراءات التي شملت تشديد الرقابة والبحث في وسائل مواجهة تدفق الهجرة التي حولت البحر المتوسط إلى برك دماء ومقابر بلا شواهد، فإن الغائب الأكبر في المنظور الراهن أنه لا يذهب إلى أبعد مدى في التعمق في الأسباب والخلفيات والمضاعفات. بينما التنظيمات الإرهابية الخارجة عن القانون عمدت إلى استخدام هذه الظواهر لزرع المخاوف.
أبعد من انتقال الظاهرة إلى صدارة الانشغالات الأوروبية والدولية، على خلفية الهجمات الإرهابية التي كانت باريس وبلجيكا مسرحاً لها، أن هناك ما يقارب «التطبيع» النفسي والاجتماعي مع الظاهرة الإرهابية، وكأنها أصبحت قدر بلدان عربية مثل العراق وسورية وليبيا وتونس وغيرها. ذلك من فرط التعود على الاختلالات الأمنية التي تجسد ذروة الانفلات صار مرور يوم واحد من دون واقعة إرهابية أشبه بالخيال.
في الحرب الاستباقية التي يخوضها المغرب، كما بعض البلدان العربية التي جعلت من التصدي للإرهاب صراع وجود، تحقق أهم ركن في تفتيت مكونات الظاهرة الإرهابية، إنه عدم الاستسلام للمباغتة وفرض الأمر الواقع. ومنذ الهجمات الانتحارية في السادس عشر من أيار (مايو) 2003 لم يقع المغرب تحت تأثير الصدمة. وليس صدفة أن آخر محاولة لزعزعة استقرار البلاد تزامنت وحلول ذكرى الحادث المشؤوم، بهدف استحضار ظروفه.
شيء واحد غاب عن مهندسي المخطط الإرهابي أن الحرب على الإرهاب في المغرب صارت قضية شعب واختيار ومسألة مصير، أقله أن العيون حين تلتفت إلى ما يجري حولها بالكاد تلتقط خيوط الأمل في واقع إقليمي وعربي مهترئ.