بقلم : محمد الأشهب
أهم من معاودة استئناف بعثة «المينورسو» المدنية في الصحراء أعمالها، وفق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، أن تتواصل مهامها في نطاق احترام المرجعية السياسية والقانونية التي حددت مسؤولياتها، بخاصة على صعيد رقابة وقف النار الساري مفعوله منذ العام 1991.
حزمة الإجراءات المتفق عليها بين الرباط والأمم المتحدة أنهت تداعيات عدم الثقة التي برزت في مناسبات عدة، ليس أبعدها الأزمة التي نشأت نتيجة وصف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون المغرب في المحافظات الصحراوية بـ «الاحتلال». وقبل ذلك أثير نقاش عاصف في مجلس الأمن في شأن صلاحيات «المينورسو» لناحية رقابة أوضاع حقوق الإنسان من عدمها. وإن كان جلياً أن قرارات مجلس الأمن المرتبطة بمهام «المينورسو» كافة لم تتحدث في أي وقت عن هذا.
بعض المشاكل يتوالد من بعضها. وحين أقر مجلس الأمن صيغة «الحل السياسي» بديلاً للمقاربات السابقة، استخلصت أطراف عدة أن الأمر يتعلق بإعلان وفاة خطة الاستفتاء التي كان من بين مهمات «المينورسو» تحديد هوية المؤهلين للاقتراع فيه المتحدرين من أصول صحراوية. الحال أنه في مقابل هذا التطور الذي أسست له مبادرات الوسيط الدولي السابق جيمس بيكر، هددت جبهة «بوليساريو» بمعاودة حمل السلاح. فيما اكتنف الغموض أوضاع المنطقة العازلة، شرق الجدار الأمني، التي باتت مصدر التصعيد والتوتر. أقله أن الاتفاقات ذات الصلة تحظر أي نشاط مدني أو عسكري هناك.
الغائب في الأزمة بين المغرب والأمم المتحدة في شأن خفض أعضاء بعثة «المينورسو» أنها لم تكن أكثر من إشعار لجهة. إذ من دون الاتفاق على المهمات المحددة للبعثة الدولية، ضمن ولايتها التي تسندها قرارات مجلس الأمن، ستظل المشكلة قائمة. ففي النهاية لم تكن إثارة قضية توسيع صلاحيات البعثة لرقابة أوضاع حقوق الإنسان بعيدة من المأزق الذي تردى فيه الملف. ولم تكن التأويلات المتباينة لمفهوم «الحل السياسي» غير التجسيد العملي للمأزق.
من جهة لأن الأمم المتحدة لم ترفق صيغة «الحل السياسي» بما يكفي من الشروح والضمانات وسقف المدى الذي يتحرك ضمن مشروع التسوية السلمية، ومن جهة ثانية ترك هذا الالتباس قدراً من الاجتهاد. وبينما أقرت الرباط خطة منح المحافظات الصحراوية حكماً ذاتياً موسعاً، باعتباره آخر تنازل سياسي لن تحيد عنه، تمسكت «بوليساريو» وداعمتها الجزائر بالعودة إلى خيار الاستفتاء، ما قوّض مساعي استئناف المفاوضات العالقة منذ سنوات.
هل يمكن العودة في ظل استمرار المأزق الراهن إلى دهاليز البحث في حل أفريقي بمواصفات إقليمية يساعد الأمم المتحدة في إحراز التقدم البعيد؟ مصدر السؤال أن طلب المغرب الانضمام إلى «الاتحاد الأفريقي» ليس منفصلاً عن المسار الذي قطعه الملف. فقد خرج من تحت بساط منظمة الوحدة الأفريقية، لأنها استبقت قرار الاستفتاء وتقرير المصير.
سيظل في إمكان «الاتحاد الأفريقي» الاضطلاع بدور داعم لجهود الأمم المتحدة، لكن ذلك رهن الاتفاق على صيغة وفاقية تفسح في المجال أمام المنظمة القارية ليكون لها صوتها الواقعي المسموع، في حال تخلصت من عيوب قانونية وسياسية في التعاطي وملف الصحراء. وسواء أفلحت هذه التطورات اللافتة في اقتحام جدار الأزمة أو راوحت مكانها من دون تقدم ملموس، فإن المشاكل التي يطرحها مفهوم «الحل السياسي» قد تنسحب بدورها على أي صيغة وفاقية محتملة.
الوضوح المطلوب يقتضي تجاوز منطق التأويلات السياسية، تماماً كما أن المفاوضات لا يمكنها أن تتقدم، من دون معرفة سقفها الأدنى والأقصى، قبل أي انطلاقة جديدة.