عن الأزمة المغاربية الأخرى

عن الأزمة المغاربية الأخرى

المغرب اليوم -

عن الأزمة المغاربية الأخرى

محمد الأشهب

 عندما يتحدث وزير الداخلية المغربي محمد حصاد عن النتائج الإيجابية لتعاون بلاده مع إسبانيا وشركاء غربيين وعرب في الحرب على الإرهاب، ينصرف منطوق كلامه إلى الأثر السلبي لغياب تنسيق مماثل على الواجهة الإقليمية، خصوصاً بين الرباط والجزائر، رغم أن التحديات مشتركة والتهديدات لا تستثني أي طرف. كما أن الخلافات القائمة لا تلغي البعد الجماعي في عملية الاستهداف التي لا تضع في الاعتبار خلافات من هذا النوع.

تحدث الوزير المغربي في معرض الإشارة إلى تفكيك خلايا إرهابية تضاعفت أعدادها أخيراً من منطلق أن «لاشيء ممكناً من دون عمل وقائي» يطاول التأطير الديني وتأهيل الترسانة الاشتراعية ومناهضة البيئة الحاضنة لتنامي التطرف والعنف. لكن العمل الوقائي لا يقتصر في هذه الحال على كل دولة على حدة، بل يتطلب مواقف متجانسة وسياسات مشتركة وتنسيقاً متواصلاً. ومن غير المفهوم كيف أن التنظيمات الإرهابية تتكامل أعمالها وخططها، بينما ردع الدول المعنية يتردد كثيراً أمام تكامل وانسجام الأدوار والمواقف إزاء هذه المسألة تحديداً.

لم تكن الحدود والحواجز عاملاً وقائياً يحقق الإفلات من تداعيات عولمة الظاهرة الإرهابية، كونها تضرب شمالاً وجنوباً، وفي أيما اتجاه. ولا تفرق بين الدول المتقدمة والصاعدة، كما بين الأديان والأعراق والأجناس. وأكثر ما يلفت الانتباه في الظاهرة أنها تخطت معايير الأفراد والمجموعات والتنظيمات في محاولة لإقامة «دولة» قابلة للتمدد لا تعترف بالحدود ومفاهيم السيادة، ما يحيل على كم هائل من الأخطار التي لم تعد أي دولة عربية بمنأى عنها. وما المثال الذي تطفح به الأزمة الليبية التي صارت بعيدة من السيطرة، إلا دليلاً قاطعاً على أن تكاثر الخلايا الإرهابية وتزايد أعداد المقاتلين المحتملين في صفوف التنظيمات، يستفيد من غياب التنسيق الجماعي والرؤية الوقائية التي تقفز فوق الحساسيات كلها.

إذا كان من موقف يوحد تمنيات العواصم الغربية المرتبطة بعلاقات استراتيجية ودول شمال أفريقيا، فهو يتمثل في حض هذه الأخيرة على تجاوز خلافاتها، أو في أقل تقدير تعليقها، على إيقاع الانصراف إلى مواجهة الأخطار والتهديدات الإرهابية، كونها تؤثر في الاستقرار وتحد من أي تعاون شامل بأضلاع ثلاثية، محورها الديموقراطية والتنمية والتصدي للإرهاب. ولا تكاد أي محادثات ثنائية أو متعددة الأطراف تخلو من هذا الهاجس الذي تهاوت أمامه كل الخلافات. المشكلة أن الحوار الذي ينساب في شكل طبيعي مع شركاء المنطقة الأجانب لا يعرف الحمولة والالتزام نفسيهما حين ينسحب على العلاقات البينية داخل الفضاء المغاربي.

في زيارته الأخيرة إلى الجزائر صدر عن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ما يفيد بالحاجة إلى تنسيق جماعي بين دول المنظومة المغاربية والاتحاد الأوروبي. غير أن العواصم المغاربية إن كانت تتحدث بصوت واحد في الإشارة إلى أخطار التهديدات الإرهابية، فإن أصواتها تخفت إلى درجة الهمس عند السؤال عن حصيلة خطوات التنسيق الأمني والسياسي والدفاعي في هذا المجال. لكن السياسة التي نهجتها باريس في استشعار شركائها الأوروبيين المتضامنين، على خلفية الهجمات ضد أسبوعية «شارلي إيبدو»، لا يكاد يوازيها عمل مماثل في العلاقات بين بلدان الضفة الجنوبية للبحر المتوسط مع بعضها، رغم أن حجم التهديدات أكبر.

حاول الأوروبيون الدفع باتجاه الإمساك ببعض الخيوط التي تجمع الدول المغاربية. وفي وقت يجتاز الاتحاد المغاربي فترة جمود طال أمدها، لا يزال الحوار ضمن منظومة 5+5 بين بلدان الضفتين الشمالية والجنوبية للبحر المتوسط أقرب إلى نقطة الضوء الوحيدة، خصوصاً أنه يستند من الطرف الأوروبي خصوصاً إلى مقاربة أمنية أكثر منها تنموية. بل إن هذا الحوار تعزز من خلال دمج قطاعات الدفاع إلى جانب بقية المجالات السياسية والاقتصادية. وبينما يعود المسؤولون الأوروبيون إلى بلدانهم وقد أحرزوا نوعاً من التقدم في الملفات المطروحة، ينفض المغاربيون أياديهم من أي التزام جماعي، لأن الحوار بينهم سيظل عالقاً.

ثمة نموذج آخر أقرب إلى الاستيعاب تقدمه دول مجلس التعاون الخليجي التي قطعت مزيداً من الأشواط في تحالفها الإستراتيجي ضد الإرهاب والتطرف، والتركيز على دعم الشرعية. إذ أبانت عن وعي متقدم مكنها من تجاوز خلافات وعراقيل سابقة. ولا يزال في إمكان الدول المغاربية أن تستلهم الجوانب المشرقة من التجربة الخليجية، إن لم يكن على مستوى الارتقاء إلى قيام تحالف عسكري قبل فوات الأوان، فأقله بأن يبدأ التنسيق الأمني والسياسي بدرجة متحررة، لأن الأخطار أصبحت على الأبواب. وكلما تمدد تنظيم «داعش» داخل ليبيا، زادت حدة التحديات ودرجات الاستهداف في نقل المآسي وأشكال الفوضى والاضطرابات.

كل العواصم المغاربية تقول بلسان واحد إنها انخرطت إرادياً في الحرب على الإرهاب، لكن لسانها يصاب بالخرس كلما تعلق الأمر بالبحث في الإجراءات الجماعية الملموسة التي يتعين اتخاذها من دون إرجاء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الأزمة المغاربية الأخرى عن الأزمة المغاربية الأخرى



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:46 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:49 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

المغربية عزيزة جلال تعود للغناء بعد توقف دام 30 عامًا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib