محمد الأشهب
أبعد من تحالفات تشكيل مجالس البلديات ونظام الجهات، الذي يعتبر أقرب إلى «حكومات محلية»، أنها المرة الأولى في تاريخ المغرب التي ينبثق عنها مؤسسات محلية بصلاحيات واسعة عبر الاقتراع المباشر الذي يخضع لنمط القوائم المتنافسة.
وفيما ساد اعتقاد لناحية بدء النظام الجهوي من المحافظات الصحراوية، كونه يتماشى إلى حد كبير ومفهوم الحكم الذاتي الذي تقترحه الرباط لإنهاء نزاع الصحراء، وفق قاعدة لا غالب ولا مغلوب، بدت المنافسات آيلة إلى المرشح حمدي ولد الرشيد المتحدر من أصول صحراوية، المنتسب إلى حزب الاستقلال المعارض، ما يفيد بأن التنظيم الحزبي الذي امتدت جذوره إلى الأقاليم الصحراوية، حتى إبان فترة الاحتلال الإسباني، ما زال في إمكان فرض نفوذه السياسي في المنطقة، وإن تراجع من مساحات أخرى.
الأهم في الاستخلاص أن المحافظات الصحراوية التي ارتفعت فيها نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع إلى أرقام قياسية، كما في كافة الاستحقاقات السابقة، في طريقها لأن تمسك زمام أمور التدبير المحلي، من دون الحاجة إلى انتظار أشواط المفاوضات العالقة حول صيغة «الحل السياسي» الذي أقره مجلس الأمن. وتترك للأطراف المعنية حرية التوصل إلى اتفاق، لا يكتمل من دون موافقة جماعية.
على نحو تتوازى فيه مساعي الأمم المتحدة ورغبات السكان المعنيين، كان لا بد من حدوث اختراق في جدار المأزق الذي يراوح مكانه. ففي كل مرة تواجه جهود الأمم المتحدة الاصطدام بالباب المغلق، ترتفع أصوات من داخل المحافظات الصحراوية الواقعة تحت نفوذ المغرب، منادية بأن تنزيل خيار الحكم الذاتي يمكن أن يأتي بمبادرة مغربية لتجاوز حال الجمود. وثمة منطق يعزز هذا الطرح مفاده أن ملف الصحراء ذو شقين:
أحدهما يطاول العلاقة بين سكان المحافظات الصحراوية والسلطة المركزية التي ترعى الإدارة وتنظيم مجالات الحياة العامة، من شرطة وقضاء ومعاملات تجارية واقتصادية وخدمات اجتماعية في الصحة والسكن والتعليم والمرافق العامة. وهذه قضية لا تحتمل أي إرجاء أو وجود فراغ إداري وسياسي. بينما الشق الثاني ينصرف إلى محور العلاقة بين أطراف النزاع والأمم المتحدة، ويشمل التزام سريان وقف النار واستمرار المفاوضات تحت سقف «الحل السياسي»، وتكريس إجراءات معاودة بناء الثقة، كما في تجربة تبادل زيارات الأهالي بين مخيمات تيندوف والمحافظات الصحراوية.
غير أن المحورين يتقاطعان، ومنذ أن ضم المغرب الأقاليم الصحراوية، وفق مقتضيات اتفاق مدريد الذي اعتبرته الأمم المتحدة وثيقة رسمية، انخرطت المحافظات الصحراوية في كل الاستشارات الدستورية والانتخابية، من دون أي اعتراض. بل إن اتفاق الصيد الساحلي المبرم في الرباط وبلدان الاتحاد الأوروبي، ساري المفعول، يشمل سواحل الصحراء أيضاً. ما يعني أن لا تعارض بين المحورين لجهة المبدأ. بل إن خبراء عسكريين وأمنيين دوليين اعتبروا الحزام الأمني الذي أقامته القوات المغربية حول المدن الآهلة، عنصراً مساعداً في التصدي للهجرة غير الشرعية وتسلل المغامرات الإرهابية، في ضوء المخاطر القادمة من منطقة الساحل الأفريقي.
يبقى البعد الغائب في هذا المسار، أن صيغة الحكم الذاتي التي يمكن أن تنطلق بالتدرج من النظام الجهوي الموسع، لا تكتمل من دون مشاركة الأشخاص المتحدرين من أصول صحراوية، المقيمين في مخيمات تيندوف. بخاصة أن الرباط نفسها رهنت اكتمال خطة الحكم الذاتي بالانفتاح على صحراويي بوليساريو. ما يعاود طرح إشكالات العودة الطوعية التي تصطدم بعراقيل سياسية وإجرائية عدة. ليس أقلها أن حق العودة الذي يناقض حق اللجوء يفرض أن يتم ذلك برعاية الأمم المتحدة، تلافياً لأي انفلات.
المفارقة أنه في الوقت الذي يمضي فيه صحراويون يوصفون في المغرب أنهم وحدويون على طريق الدمج والمشاركة السياسية في تدبير شؤونهم المحلية، لا يزال إخوة لهم محرومون من هذا الاختيار، وتلك قضية مرتبطة بتوصيفات النزاع الذي لا يخلو من خلفيات جيوسياسية. ويبقى من المفيد التأمل في هذه الصورة. فهي إن كانت تخطو بالمغرب قدماً نحو استشراف آفاق التنظيم الجهوي المتقدم، فإنها على صعيد المحافظات الصحراوية يمكن أن تصبح أكثر مدعاة للانجذاب والمشاركة، في حال تم تجاوز أزمة الصحراء، بحثاً عن استقرار أشمل يطاول المنطقة برمتها.